«مهرجان رفكين» لوودي ألن: فيلم أوروبي آخر

2022-08-17

ملصق فيلم «مهرجان رفكين» (موقع الفيلم)سليم البيك *

صار وودي ألن عالة على نفسه، أو صارت أفلامه عالة على عموم منجزه السينمائي. لا يحط الكلام من قدر فيلمه الأخير «مهرجان رفكين» بل هو للقول إن إرث ألن السينمائي، حمّل كل جديد له ذلك الثقل المتراكم كمياً في غزارة الإنتاج خاصة، والمتراكم نوعياً إذ لا يمكن تحييد بعض أفلامه، في السبعينيات والثمانينيات تحديداً، عن أي حديث عن أفلام طبعت سينما القرن العشرين. استسهال ألن في صناعة الأفلام، بشكل شبه سنوي في العقدين الأخيرين، قلل من قيمتها في مقارنتها بسابقاتها. وهذا ما يتوجب الانتباه إليه في تقييم كل جديد لألن. إذ لا يمكن توقع «آني هول» آخر مع كل جديد، خاصة أن أفلام العقد الأخير تتالت ضمن أسلوب واحد، ومواضيع وشخصيات متماثلة، كأنها كلها، في مبنى واحد حصل فيه هذا الفيلم اليوم وذاك غداً.
فيلمه الأخير، المشارك في مهرجان سان سيباستيان السينمائي عام 2020، وقد نزل إلى الصالات الفرنسية أخيراً، يستوجب حديثاً منفصلاً عن إرث ألن في عمومه، ومتصلاً بأفلامه الأخيرة التي أتى آخرها في انسجام معها شكلاً ومضموناً. ليس هذا مدحاً مسبقاً للفيلم، بل هو وضعٌ له في سياقه ليَحسن تقييمه.
ليس الفيلم رائعاً، مثلاً، بغض النظر عن صانعه، إنما ليس رديئاً، ومشاهدته والرأي فيه كما هو متعلق بالتوقع، مما كانه وودي ألن قبل أربعين عاماً، هو متعلق كذلك بالذائقة تجاه السينما الجديدة لألن، لأفلامه الأخيرة أو لمجموعة منها، هي Match Point عام 2005 وVicky Cristina Barcelona عام 2008
و Midnight in Paris عام 2011 وTo Rome with Love عام 2012 وقد يختتمها فيلم يحضّر له ستجري أحداثه في باريس.

 المخرج وأبطال الفيلم

ليست هذه أفضل أفلامه في العقدين الأخيرين، ولا هي مذكورة هنا لذلك، بل لأن فيلمه الأخير يأتي في سياقها، حلقة جديد في سلسلة أفلام في طابع سياحي، أشبه بالبطاقة البريدية، تصور مدناً أوروبية بقدر ما تصور الأحداث والشخصيات. في جميعها لقطات سياحية لهذه المدينة أو تلك، لندن، برشلونا، باريس، روما، والآن سان سيباستيان في مهرجانها.
يحكي الفيلم عن أكاديمي وناقد سينمائي يرافق زوجته إلى المهرجان الإسباني، لمرافقتها هي لمخرج فرنسي له فيلم مشارك في المسابقة، وهي وكيلة له. تنشأ علاقة بين المخرج والزوجة، ويمضي الزوج وقته متجولاً في المدينة ومحاولاً اللقاء دائماً بطبيبة إسبانية. في هذه الكلمات القليلة، يمكن أن يخمّن أحدنا أن الفيلم لا بد أن يكون لوودي ألن، فهذه هي أجواؤه، أما المَشاهد فيكفي منها التّخمين ذاته، إذ لا يكتفي ألن بتصوير سياحي للمدن الأوروبية، للمدينة الساحلية الإسبانية هنا، بل يستحضر شخصية نيويوركية، تكون رئيسية في الفيلم، تقابل شخصيات أوروبية وتتفاعل معها، في تركيز من حيث التصوير وكذلك المفارقات، على «أوروبية» هذه الشخصية أو تلك، الممتلئة بكليشيهات أمريكية تجاه ما هو أوروبي. لا تسعفُ الفيلم الإشارات إلى كلاسيكيات في سينما العالم، من أورسون ويلز إلى إنغمار بيرغمان إلى فيديريكو فليني إلى آخرين جاؤوا إلى الفيلم من كلام الناقد العجوز وخيالاته، الذي لا يكف عن الحديث عن سينما كلاسيكية لم تعد موجودة هذه الأيام، إضافة إلى حديثه عن المهرجانات التي لم تكن كهذه التي يراها اليوم. لا تسعف الفيلم هذه الإشارات في الحديث عن الجانب الثقافي والفكري للفيلم، لكونه استعاد غيره، هي في أمكنة عالية فكرياً وسينمائياً، فحتى استعادتها هذه، لم تكن منسجمة مع السياق، رغم تكرارها، بل أتت كمَشاهد موازية في تناصٍ شبه متطابق. هي لم تدخل في سياق الفيلم، بل الفيلم خرج إليها.
قد تكون الأخرى من أفلام وودي ألن الأوروبية، أفضل من هذا الأخير، لنسبة العفوية العالية أو القصدية المنخفضة، فيها. وقد يكون ألن استعجل في إنجاز مشاريعه السينمائية الأخيرة قبل أن يعتزل وقد تقدم به العمر، وقد يكون متأثراً بالاتهامات تجاهه في التحرش وبعزله من قبل شركات وأفراد في مجال السينما في الولايات المتحدة، وقد يكون لعدم رغبة منه في التجديد أو الابتكار، أو في التوقف عن نسخ أساليب ومضامين أفلامه الأخيرة.
يبقى Rifkin’s Festival فيلماً جيداً وممتعاً، ويكون ذلك بالمشاهدة بمعزل عن اسم صانعه، وهو ما يصعب. فلا يمكن، تماماً، في غض النظر عن إرث سينمائي ضخم كمياً، وفيه المتميز نوعياً عند مشاهدة أي جديد يكرّس مستوى أخير لوودي ألن، هو من بين الأكثر استسهالاً وتبسيطاً في خاتمة إرثه المذكور. يثقل وودي ألن على نفسه في أفلامه الأخيرة، ويثقل المُشاهدُ على الأفلام ذاتها بتطلّبه وودي ألن القديم في كل جديد له.

*كاتب فلسطيني سوري

 








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي