استئناف محاكمة الرئيس الموريتاني السابق والجدل يتجدد حول حصانته

القدس العربي – الأمة برس
2023-08-29

رئيس موريتانيا السابق محمد ولد عبد العزيز في نواكشوط في الأول من آب/أغسطس 2019 (ا ف ب)

عبد الله مولود

نواكشوط – فيما استأنفت المحكمة الجنائية الخاصة في موريتانيا أمس الإثنين، جلسات محاكمتها للرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز بالاستماع إلى بقية المشمولين معه في ملف الفساد المالي، عاد الجدل القانوني ليشتعل من جديد حول حصانة الرئيس السابق بموجب المادة 93 من الدستور بين رئيس هيئة دفاعه وأحد أكبر المختصين الموريتانيين في القانون الاقتصادي والدولي.

ويتابع الرأي العام الموريتاني باهتمام كبير هذا السجال المشتعل بين الأستاذين محمد ولد إشدو محامي الرئيس السابق الذي يدافع عن حصانة الرئيس السابق بموجب المادة 93 من الدستور الموريتاني وعن عدم اختصاص المحكمة الجنائية في محاكمته المتواصلة منذ أشهر، ومحمد محمود ولد محمد صالح الذي يقول باقتصار تحصين الرئيس على المهام الموكلة دستورياً لرئيس للجمهورية، دون الأعمال والجرائم الأخرى التي قد يرتكبها خلال توليه للرئاسة والتي تمكن محاكمته عليها بعد خروجه من الحكم كما هو واقع حالياً. وطرح ولد محمد صالح في مقاله الذي نشره تحت عنوان “الوضع القانوني والقضائي لرئيس الجمهورية السابق: عناصر توضيحية”، أسئلة تمهيدية لرأيه منها: ما هو الوضع القانوني لرئيس جمهورية سابق؟ وهل يتمتع بحصانة بخصوص الأفعال التي تمت في إطار ممارسة الوظيفة الرئاسية، وإذا كان الجواب بنعم، ما هي طبيعة وحدود هذه الحصانة؟ هل يتوفر على امتياز قضائي قد يحول دون محاكمته أمام المحاكم العادية؟ أم أنه مجرد مواطن كبقية المواطنين، مسؤول عما ارتكب من أفعال، في نفس الأوضاع كباقي المتقاضين؟ هل يجب التمييز أم لا يجب حسب طبيعة الأفعال التي قام بها خلال مأمورياته؟”

وأكد ولد محمد صالح “أنه أبدى رأيه في قضية حصانة الرئيس السابق بناءً على أنه كان من محرري دستور 1991 واستناداً إلى تجربة أكثر من 45 سنة استثمرها في الأبحاث والإصدارات في العديد من مجالات القانون، بما في ذلك القانون الجنائي والقانون الدستوري”.

وأضاف: “نحن حسب هذا الرأي (القائل بالحصانة الدستورية المطلقة) يراد منا قبول فرضية الحصانة المطلقة لرئيس دولة سابق (عدا الخيانة العظمى) على أساس قراءة سريعة وسطحية فقط للمادة 93 من الدستور دون جهد إضافي، في مزيد من البحث”.

وقال: “لا جدوى من محاولة جعل المادة 93 من الدستور تتضمن ما لا تتضمنه، وبالتأكيد لا يمنح هذا النص حصانة شخصية ومطلقة لرئيس دولة سابق، بل يَحُدُّ صراحة حصانة الرئيس فقط في الأفعال التي يقوم بها أثناء ممارسة مهامه، أي الأفعال المتعلقة بتسيير الشأن العام في إطار الصلاحيات المخولة للرئيس في الدستور”.

وزاد: “عندما يرتكب الرئيس جرائم، فمن الطبيعي أن يحاسب عليها بمجرد أن يصبح مواطنًا عاديًا؛ وهناك ما هو أهم من رأي أساتذة القانون والمحامين، يضيف ولد محمد صالح، ألا وهو موقف المشرع الموريتاني، على الأقل فيما يتعلق بالفساد والجرائم الشبيهة، ينص القانون رقم: 2016/014 المتعلق بمكافحة الفساد ينص في مادته الثانية على أنه يطبق على “كل شخص مدني أو عسكري يشغل منصباً تشريعياً أو تنفيذياً أو إدارياً أو قضائياً سواء كان معيناً أو منتخباً، وهو ما يشمل بالضرورة رئيس الدولة لأنه فيما يتعلق بالسلطة التنفيذية، هو الشخص الوحيد الذي يشغل ولاية انتخابية”.

لكن الأستاذ محمد إشدو محامي الرئيس السابق، ساق في رده على الدكتور محمد صالح دفاعات عن رأيه، فأكد أنه “بمقتضى المادة 93 من دستور 20 يوليو 1991 لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولاً عن أفعال قام بها في إطار ممارسته لوظائفه إلا في حالة الخيانة العظمى، ولا يمكن اتهامه إلا من قبل غرفتي البرلمان اللتين تبتان عبر تصويت مطابق لأعضائهما في اقتراع علني وبالأغلبية المطلقة… وتتم محاكمته من طرف محكمة العدل السامية”.

وأضاف: “يشكل هذا النص نقلاً حرفياً لنص المادة 68 من الدستور الفرنسي الصادر سنة 1958، وقد بقي دون تعديل حتى صدور القانون الدستوري رقم 022 – 2017 الذي صدر بعد إلغاء مجلس الشيوخ فأبدل في الفقرة الثانية كلمة غرفتي البرلمان بكلمة الجمعية الوطنية، حيث يمكن أن نقول إنه في الجوهر، بقي النص كما هو”.

“إن عدم المسؤولية القانونية للرئيس عن الأفعال التي تتم خلال ممارسته لوظائفه، يضيف إشدو، باستثناء حالة الخيانة العظمى، تستجيب عادة للحرص على حماية الوظيفة الرئاسية وتسهيل حرية تصرف صاحبها، وتُكَمَّلُ بعدم مسؤوليته السياسية أمام البرلمان، وفي نظامنا شبه الرئاسي، فلا الرئيس مسؤول من الناحية السياسية إلا أمام الشعب، خلاف الحكومة (رئيس الوزراء والوزراء) ولا هو ملزم بأي شيء أمام البرلمان الذي لا يمكنه أن يستدعيه ولا أن يوجه إليه تحذيراً”.

ورغم انشغال الرأي العام في موريتانيا بهذا السجال، فإن القضاء الموريتاني قد حسم أمره على جميع مستوياته، متبنياً التأويل القائل بأن المادة 93 من الدستور الموريتاني لا تنص على حصانة مطلقة للرئيس السابق، لذا تواصل المحكمة الجنائية جلساتها حالياً لمقاضاة الرئيس الموريتاني السابق في ملف يتضمن حزمة من الاتهامات بينها الفساد، واستغلال النفوذ، والإثراء غير المشروع، وغسيل الأموال، وتبديد المال العام، وإعاقة العدالة.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي