لم تستر الجداول الفضيحة

2023-09-10

أحمد رافع

الريح أحبسها في الشراع

والموج يهدأ

يصطخب على الوداع والوتيرة

لن يصعد كي يتلقف بوحشية البحر سر الهواء

فيهدأ على تغريدة الجياع

ويرحل

معبئا في معدته النوارس

صارخا عن مأوى

والماء سكناه التراب يعرف التقبيل

لماذا يا أيها الموج الرميم

حين أستدير تعصرك القوارب الصغيرة

لتكون دمعة مرمية على الساحل!

فلتصدق الشموع

موتها الرحيم في الظلام

ولتنسج خيط نهايتها قبل العبور

هوذا الظلام

شمعة تشعر بالنعاس!

هناك يا أيها الموج مصعدا

آهٍ

ليت المياه تتسلق ليتها لا تنزل

بل قلبي تناديه المدينة بلسان الدروب

حتى الدروب السقيمة

تنقطع ألسنتها

ولا صوت هناك إلا وردة تكتمها الرياح

في الغرفةِ حتى ضوؤها الأخرس يريد الهروب

يريد بقايا السجون المفتوحة

وآخر صوت تطرقه الأصفاد للعصافير

ما من صباح

يا أيها المسافر ما من صباح

أما تعلم وجهه يندثر تحت غصنٍ مدمى

والأغاني لا تجيء

إلا من طواحين الحقول

والجداول التي تقول:

مرحى للبساتين إذ تحمل الزجاج

أما الحجار يا قلبي

سيبقى يهيبُ لحظة الشرود

سيبقى يقول

هناك سأرجم الجداول الخرساء

لا تصيح

والجفون تدفن فور النحيب

فنهرك من زجاج

وقلبك ضحية الماء

استعد لما ستكون أغنية للصابرين

أغنية تذبل حين يعود الناي للنهر المتهشم

وأغنية تذوي كالبخار

لا هي تزيل الدماء عن نثار الزجاج

ولا تداوي تحت معطفها طفلة عبرت بالخطأ

وذنب من؟

سرعان ما تنتهي مسيرة الجمر

ويصمت الهواء

ذنبُ

ما من حديقة تجلب في غفوتها الشلال

ولا الجذوع ترمم أسيجة السنين المتهدمة

ولا قلبي يناغي عن مستحيل

لكنها الجداول لم تستر الفضيحة

قد افشت السر وكسرت الصندوق الفقير

ليس ذنب الحجار

ليس ما ينثره العبير قد يضلل العيون

ويربك المسير

آهٍ يا نهارات الفحم

موقد على حساب الطفل الأخير

فالضوء يأتي من نار يحرق الدجى

إذ ما استمر في الالتهام

يتكرر الظلام

والضوء يغفو على منديل الغروب

يا أيها الموج المقنع عند السواحل

دمعك كالجليد

لهذا حتى الدموع يذبحها الطريق

حتى الطريق يعلنُ في الغسق فضيحة الأقدام

تحمل المسامير

والجدران عارية عن ذكرى الصيد

أقصى مناه

أن يطوي ما كان للرحيق نحلا يضمه

وللورد شكوى

وللفلاح مسكن لو غادرت المحاكم

هيا نغني يا موجنا الفقير

علّ وجهك الساخن بالأسى يبرد في السماء

ووجهي أنا رماد

معتقلا بيد الهواء

تارة يذرني بين التلال البعيدة

وتارة يجمعني من جديد

بوجهٍ تصفعه الغابات المتشابكة بالموت

وهناك عند التراب تنزل السحلية

وتهدأ السحابة

وتصعد الجنائز إلى نزهة المدينة

من هو المدفون فشكل الدفان فقاعة عند النحيب

غير الذي انتزع من مأتمه لحم الوصال

وأين تكون الفضيحة بعدما يزورني العتاب

أجب أيها الموج والصباح والشكوى

ما من وسيلة،

يا أيها المسافر ما من وسيلة

بكم درهم باع القضية من سأل عن محتواه

واجمع شتاتك يا قنديل

كيما تلومني في الأعاصير العمياء

واستردي دمعتي المتجولة في الضباب

أنتِ يا رياح

قطرة تختبأ في أحشاء الغيم

أو ندى يزورني كي تسر المناديل

واشغليها عن حدقي

تلك الدروب السكرانة بالعناوين

فما تقوله الجداول ترتيلا من أسى قديم

وخبر للمذبح الجديد

وما تعتليها الفضائح لهاث الدمية

في ذلك المساء لدمعةِ الطفلة في آخر العام

وهنا في بداية الجفاف

ونهاية الصيد

ووسط السنابل

وأقصى جنوب العويل

طفلة أخرى تنساب كالدموع من الحبال

كالدماء المتجمدة في المشانق

كالرياح العاتية،

التي تضرب القبور فينهض الهجير

وهناك لا نراه

في يسار العام الجديد وشعلته الكئيبة

فضائح

لم تسترها الجداول

ولم تسقها الأنهر لحظة الغرق

ولم تغطها الزوارق برداء المسافر

ولم تدفعها المجاديف للوراء

للعام الذي انتفض فانتهى

للعام الذي يركض وبيده الجنازة

للعام المقبور على حاله

للعام المرتعش في جيوب الأطفال

والمقتول في صحون المساكين

والمغني في قلبِ السمكة

كي يؤنس الغرقى!

وداخل الرصاصة

وفوق الوردة الذابلة

وداخل الفضيحة هذا العام يستكين

شاعر عراقي








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي