عفا عليها الزمن.. أكشاك الهواتف العمومية الحمراء البريطانية تتحول إلى مقاهٍ ومكتبات

ا ف ب - الأمة برس
2023-10-27

كارل بيرج أمام أكشاك هاتف حمراء تقليدية في منطقة كينغز لين في شرق إنكلترا في 11 آب/أغسطس 2023 (ا ف ب)

لندن - تحوّلت أكشاك الهواتف العمومية الحمراء رمزاً للمملكة المتحدة وللندن خصوصاً، لكنّ معظمها أحيل على التقاعد في عصر الهواتف المحمولة، فأفادت منها أكثر من جهة لأغراض أخرى.

في ورشته التي تعجّ بالتذكارات القديمة، ومنها مضخات البنزين الصدئة واللوحات المعدنية المطلية بالمينا، يضع كارل بيرج اللمسات النهائية على كشك هاتفي أحمر يعمل على  ترميمها. 

ينكبّ هذا الرجل البالغ 54 عاماً منذ عقدين على تجديد شباب هذه الأكشاك "التاريخية" المتقادمة التي أصابها التلف من جرّأء المناخ الإنكليزي الرطب. 

وقال لوكالة فرانس برس "إذا أرسلت بطاقة بريدية إلى أي مكان في العالم تحتوي فقط على صورة صندوق هاتف أحمر، فإن 95 في المئة من الناس سيقولون لك: إنها في إنكلترا". 

منذ ظهورها في عشرينات القرن العشرين، أصبحت هذه الأكشاك الحمراء أحد المعالم الرئيسية المرتبطة رمزياً بلندن والمملكة المتحدة بأكملها، وأصبحت مرادفة لهما، لكنّ معظمها غاب عن المشهد منذ ظهور الهواتف المحمولة.

لم يعد يوجد اليوم سوى 20 ألف هاتف عام صالح (مقارنة بنحو 100 ألف هاتف في تسعينات القرن العشرين)، ومن بين الأكشاك الصامدة ثلاثة آلاف من النوع الأحمر التقليدي، وفقاً لشركة "بي تي" التي تولت تشغيلها تاريخياً.

وأمكنَ إنقاذ نحو 7200 كشك كانت خارج الخدمة، إذ تلقفتها جمعيات أو كنائس أو سلطات بلدية، وجعلت منها  مكتبات صغيرة أو أكشاك معلومات للسياح أو سوى ذلك أو حتى أجهزة لتنظيم ضربات القلب.

ويمكن أيضاً استئجار بعض الكبائن المهجورة من جانب الشركات الصغيرة، كمتجر "ووكميسو" لحلوى التيراميسو في وسط لندن.

فعلى طرف راسل سكوير، يبيع دانييليه بينيديتيني الحلوى الإيطالية الشهيرة داخل كشكين هاتفيين أحمرين.

وقال لوكالة فرانس برس "أعتقد أن من الرائع فعلاً أن أتمكن من مزج التقاليد الإنكليزية بتلك الإيطالية". 

وأوضح الشاب البالغ 29 عاماً أن فتح متجر في كشك قديم مستأجر من مالك خاص، يكلفه أيضاً أقل من استئجار متجر تقليدي.

وبادر بينيديتيني إلى تجديد مقصورتي الهاتف وتجهيزهما بأرفف وثلاجة وآلة لصنع القهوة، مع الإبقاء على شكلهما الخارجي المميز.

وأشار كارل بيرج إلى أن ترميم الكشك الهاتفي يستلزم ستة أسابيع في المتوسط، ويبدأ بتفكيكه "بدقة".

 وأضاف "لا يمكن التكهن بما تحت الطلاء. قد يقع المرء على جوهرة فعلية، ولكنه أيضاً قد يجد ديناصوراً"ى أنهكه الزمن. 

- العمل الدقيق -

لقد عالج هذا البريطاني عدداً كبيراً من الأكشاك الحمراء في ورشته في كينغز لين بشرق إنكلترا، غالباً ما تكون مكسورة، فقدت زجاج نوافذها أو تلفت أبوابها الخشبية.

وما إن يصبح الإطار الحديدي مجرّداً من كلّ مكوناته، يُصقل بالرمل لإزالة الطلاء والصدأ وأية شوائب أخرى.

 أما الخطوة التالية فتتمثل في وضع الراتنج والرمل لإزالة العيوب، وهي عملية شاقة تُنفذ يدوياً ويمكن أن تستغرق أياماً عدة.

ويجري أخيراً طلاء الكشك باللون الأحمر الشهير "بوست أوفيس رِد"، ويُثبت الزجاج الرقائقي على النوافذ، ويوضع للباب إطار خشبي خارجي جديد.

ولم يتردد كارل بيرج، الذي بدأ عمله في مجال السيارات، في تحويل شغفه بمقتنيات الجمع البريطانية عملاً ترميمياً يتفرغ له بدوام كامل، يُعرف باسم Remember When UK.

وكانت البداية غندما عثر على كشك هاتف في عقار معروض للبيع، فاشتراه ورممه ثمم  عرضه في حديقته. 

وما لبث أن باع الكشك المرمم، لكنه ندم على قراره إذ أدرك أن "مشتاق"إلى كشكه.

وبعد أن أصبح كارل بيرج مرمماً محترفاً، بات الآن يعمل في الوقت نفسه على ترميم مقصورات هاتفية عدة.

ومن بينها نسخة من طراز "كاي 2" الشهير، وهو النموذج الأول لكشك الهاتف الأحمر الذي طرح عام 1926 وصممه المهندس المعماري البريطاني جايلز غيلبرت سكوت، المعروف بتصميمه مباني عامة الأخرى في لندن.

وبعد مرور عشرين عاماً، لم يفقد كارل بيرج شيئاً من شغفه. وقال "أنا أتقدم قليلاً في السن، ويبدو أن كل شيء أصبح أثقل قليلا. لكنني أعتقد أن حماستي لا تزال إياها (...) لا بل في الواقع، لربما زادت".








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي