معاريف: هل تنتقل إسرائيل من غزة إلى "حرب الساحة المركزية" في لبنان؟  

2023-11-06

 

تقدر إسرائيل أن “حزب الله” قد يشدد من ردوده في الأيام المقبلة، وفقاً لساحة غزة (أ ف ب)

يشدد الجيش الإسرائيلي الضغط على مدينة غزة، ومن المتوقع أن تتصاعد شدة القتال. نقطة ضعف الجيش الإسرائيلي هي شبكة أنفاق المترو وصواريخ مضادات الدروع. في الشمال حيال “حزب الله” يتواصل ميل تصعيد بطيء ومتدرج، والجيش يستعد لاحتمال تصعيد “حزب الله” مديات النار نحو إسرائيل.

إن تصعيد الغارات من الجو أمس في ساعات مبكرة من المساء، تعبير آخر على تشديد الضغط على مدينة غزة انطلاقاً من توقع أن يكون تقدم المناورة البرية أبطأ في هذه المرحلة، بسبب مزايا ميدان المعركة – منطقة مدينية مكتظة، تستخدم فيها حماس شبكة أنفاق تحت أرضية من تحت قلب مدينة غزة، ومناطق سكنية مكتظة ومؤسسات عامة، بينها المستشفيات الكبرى في المدينة.

إن موجة الغارات الواسعة من الجو التي حدثت أمس، تعبير عن محاولة لمساعدة قوة المناورة على مواصلة التقدم إلى المناطق التي لم تعمل فيها بعد، وتليين مسبق لأهداف حماس لغرض حركة الألوية في الميدان، وضربة مسبقة لأنفاق حماس في هذه المنطقة ومحاولة استنفاد إنجازات إضافية، في ظل ضرب أهداف هامة وتشديد الضغط حول مراكز حماس في المدينة.

بالتوازي، تتواصل حملة الجيش الإسرائيلي حول ما يجري في مستشفى الشفاء ومستشفيات أخرى في المدينة، تجري فيها حماس استخداماً واسعاً. بالتوازي، فتحت قوات فرقة 36 أمس معبراً آمناً في محور “نتساريم”، مخصصاً لعبور مدنيين فلسطينيين إلى الجنوب. وحسب التقديرات، بقي في مدينة غزة بضع مئات آلاف من المدنيين، وثمة تقدير بأن حماس ستصعد أعمالها لتضمن ألا يتحركوا جنوباً.

أمس، مر في المعبر الجديد حتى الآن عدد كبير من الفلسطينيين، ويواصل الجيش الإسرائيلي تركيز الجهد على تحريك السكان المدنيين من مدينة غزة للسماح بمزيد من حرية العمل للقوات في الميدان. في المقابل، تسعى حماس لتثبت بأن قدرات القيادة والتحكم التي لديها لم تصب بأذى، وبناء على إعلانها المسبق أطلقت عند الساعة 20:00 رشقة صواريخ نحو مركز البلاد.

بالتوازي، يواصل الجيش الإسرائيلي تعميق الطوق حول مدينة غزة. في هذه المرحلة، تعمل ألوية الجيش في القتال في مناطق مدينية ومكتظة جداً مجاورة للبحر، مثل حي الشيخ عجلين جنوب غرب المدينة. المرة الأخيرة التي قاتلت فيها قوات الجيش الإسرائيلي في هذا الحي كانت في حملة “الرصاص المصبوب” عام 2008. والحال مثله في حي تل الهوى. ميزة هذين الحيين مقارنة بضواحي مدينة غزة، أن فيهما مبان عالية ومراكز مدينية واضحة.

في جبهات أخرى، يقف كبار القادة أمام تحد منع انحرافات للقوات في الميدان ربما تستغلها حماس. يعتقد الجيش أن هناك ضربة لقدرات حماس بشأن القيادة والتحكم في المدينة، لكن مقارنة مع أقوال مبالغ فيها أطلقها أحياناً جنرالات متقاعدون في استوديوهات التلفزيون، فالجيش أكثر حذراً بكثير. صحيح أنهم يلاحظون ضربة لحماس، وانكسارات أولية في القيادة والتحكم على كتائب حماس في المدينة وعدد مصابين عال نسبياً في الأنفاق، جراء أعمال الجيش الإسرائيلي من البحر والجو، لكن التقدير بالمقابل، أن حماس بعيدة جداً عن نقطة انكسارها، وبالتأكيد ليس متوقعاً أن ترفع علماً أبيض. الرسالة التي تصدر عن الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة هي أن الحرب على مدينة غزة ستكون طويلة، والكلمة المفتاح التي تكرر نفسها هي “الصبر” وليس عملية سريعة تعرض القوات البرية للخطر.

هذا التقدير يعبر عن صورة وضع واقعية، مثلما وجدت تعبيراً في القتال في الميدان. شبكة مترو أنفاق حماس تجعل القتال في المنطقة المبنية معقداً جداً، فبعد أن تواصل قوات الجيش التقدم على الأرض، تحاول قوات حماس استغلال الأنفاق كي تلاحق القوات التي تقدمت إلى الأمام وتجبي ثمناً بالقتلى والجرحى. معظم النجاحات التكتيكية لحماس هي بواسطة نار مضادات الدروع.

وبينما يبدو الآن أنه عملية عسكرية معقدة جداً ينفذها الجيش الإسرائيلي في مدينة غزة بشكل جيد ومرتب، في منطقة قتال مركبة جداً، لم يتحقق بعد أي من الهدفين الكبيرين للحرب (هزيمة حماس عسكرياً وسلطوياً، وإعادة المخطوفين إلى الديار).

المطلوب زمن طويل لهزيمة حماس، ربما يكون أشهراً، ففضلاً عن مدينة غزة، ستكون حاجة إلى أعمال في مخيمات اللاجئين في الوسط – خانيونس ومحور فيلادلفيا. مقابل الموقف الإسرائيلي الذي يسعى لإدارة جهد الحرب على مدى بضعة أشهر، يبدو أن الأمريكيين يقصدون بضعة أسابيع. على أي حال، كلما مر الوقت يبدو أنه بعد الخطوة العنيفة على مدينة غزة نفسها، واستمرار الحرب في مدن ومناطق أخرى في القطاع كفيلان بأن يثيرا فجوات مواقف واضحة بين إسرائيل والولايات المتحد، وستزداد شكوك تحرير المخطوفين.

أما في الساحة الشمالية، فإن زيارة رئيس الأركان هليفي لقيادة المنطقة الشمالية واختياره للمرة الثانية في غضون بضعة أيام لنقل رسائل إلى “حزب الله”، بأن إسرائيل جاهزة للحرب، تقول عملياً كل شيء. في الإيام الأخيرة ارتفعت أعمال “حزب الله” ضد إسرائيل. يدور الحديث عن حراكات صغيرة، لكنها تبدو على نحو ثابت. القتيل الإسرائيلي بنار مضاد الدروع، التي تنضم إلى نار أوسع للصواريخ نحو “كريات شمونا” واستمرار المحاولات لإطلاق المسيرات نحو إسرائيل من لبنان، هي أعمال أخرى تعبر عن جاهزية “حزب الله” للتصعيد التدريجي للوضع في الساحة الشمالية أيضاً.

تقدر إسرائيل أن “حزب الله” قد يشدد من ردوده في الأيام المقبلة، وفقاً لساحة غزة. فتوسيع نار الصواريخ إلى مديات أبعد في شمال البلاد، إمكانية معقولة للغاية. إذا ما استمر القتال في غزة لفترة زمنية ذات مغزى، سيزداد احتمال تصعيد في الشمال.

إذا ما تحقق هذا السيناريو، سيكون المستوى السياسي مطالباً بحسم النقطة التي تصبح فيها ساحة الحرب المركزية لإسرائيل لبنان وليست غزة. ثمة إمكانية معقول واحدة، وهي أن إسرائيل غير المعنية بالحرب في الساحة الشمالية، ستكون مطالبة للاستعداد لها كاحتمالات يتزايد تحققها، وإن كانت بخطوات صغيرة، وفي هذه المرحلة تتيح لإسرائيل تقييد استخدام القوة ضد “حزب الله” في الرد على عدوانه.

 

 تل ليف رام

معاريف 6/11/2023








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي