فايننشال تايمز: أمريكا لن تمنع للأبد ظهور قوى منافسة لها في الصين وروسيا وإيران  

2023-11-16

 

تكمن الصعوبة في أن القوى الإقليمية التي ستتحمل الولايات المتحدة المسؤولية عنها، غير مجهزة بمفردها لوضع حد للطموحات الإقليمية لروسيا والصين وإيران (أ ف ب)نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” مقالا لجدعون رتشمان، قال فيه إن جو بايدن ليس مجرد رجل عجوز، بل يمثل فكرة قديمة، تعود إلى أربعينات القرن العشرين.

ويعتقد الرئيس الأمريكي أن بلاده والعالم الأوسع سيكونان أكثر أمانا إذا لعبت الولايات المتحدة دور شرطي العالم. وقد زعم مؤخرا أن “القيادة الأمريكية هي ما يُبقي العالم موحدا. التحالفات الأمريكية هي التي تحافظ على سلامتنا وسلامة أمريكا. وتعريض كل ذلك للخطر، إذا انسحبنا من أوكرانيا، وإذا أدرنا ظهرنا لإسرائيل، أمر لا يستحق أن نفعله”.

وقال الكاتب إن النظرة للعالم التي عبّر عنها بايدن، تعود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما خلصت النخبة الأمريكية إلى أن الانعزالية في الثلاثينات ساعدت في صعود ألمانيا النازية واليابان الإمبراطورية. وقررت المؤسسة الأمنية في واشنطن، أنها لن ترتكب هذا الخطأ مرة أخرى.

فمن هاري ترومان إلى باراك أوباما، كان كل رئيس أمريكي يبني سياسته الخارجية على شبكة من التحالفات العالمية، وخاصة حلف شمال الأطلسي، والمعاهدة الأمنية بين الولايات المتحدة واليابان.

وعندما أصبح رئيسا، خالف دونالد ترامب هذا الإجماع جزئيا، من خلال التعامل مع الحلفاء الرئيسيين مثل ألمانيا واليابان باعتبارهم مستغلين ناكرين للجميل.

كرئيس، عاد بايدن إلى النهج الأمريكي التقليدي القائم على التحالف. ولكن من المحتمل أن يكون آخر زعيم للولايات المتحدة يتبنى بكل إخلاص فكرة اعتبار أمريكا “قوة مهيمنة ليبرالية” وهو المصطلح الأكاديمي لشرطي العالم.

وتثير احتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض في العام المقبل، علامة استفهام ضخمة حول مستقبل القيادة الأمريكية للعالم. ففي فترة ولايته الأولى، فكّر ترامب في سحب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي فترة ولاية ثانية، قد يمضي في الأمر بالفعل.

في الواقع، إذا اتبع النسخة الأكثر تطرفا من أيديولوجية “أمريكا أولا”، فإن إدارة ترامب الثانية يمكن أن تشهد انفصالا كاملا عن فكرة أنه من مصلحة أمريكا تعزيز الترتيبات الأمنية في ثلاث من أكثر المناطق استراتيجية في العالم: أوروبا وشمال شرق آسيا والخليج العربي.

وفي كل من هذه المناطق، تواجه أمريكا الآن منافسا نشطا وحريصا على رحيلها. وفي أوروبا، هذا المنافس هو روسيا؛ وفي آسيا هي الصين. وفي الشرق الأوسط هي إيران. لقد غزت روسيا أوكرانيا، وأقامت الصين قواعد عسكرية في بحر الصين الجنوبي، وتهدد تايوان. وتستخدم إيران وكلاء مثل حزب الله وحماس والمتمردين الحوثيين في اليمن لتحدي أصدقاء أمريكا في جميع أنحاء المنطقة.

وإذا قلصت الولايات المتحدة بشكل جدي التزاماتها العسكرية في مختلف أنحاء العالم، فسوف تحاول الصين وروسيا وإيران الاستفادة من فراغ السلطة الناتج عن ذلك. وفي هذه الأثناء، تعمل الدول الثلاث معا بشكل أوثق. إنهم جميعا يروجون بشغف لفكرة “عالم متعدد الأقطاب”، وهي رمز لإنهاء الهيمنة الأمريكية.

وبحسب رتشمان، ففي الولايات المتحدة ذاتها، أصبح الإجماع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي لصالح القيادة العالمية الناشطة يتآكل بشكل واضح. في عام 2016، وهو العام الذي تم فيه انتخاب ترامب، أظهر استطلاع للرأي أن 57% من الأمريكيين يوافقون على أن الولايات المتحدة يجب أن “تتعامل مع مشاكلها وتسمح للآخرين بالتعامل مع مشاكلهم بأفضل ما يمكنهم”.

بدأ ترامب عملية انسحاب أمريكا من أفغانستان وأكملها بايدن. لكن هذا الأخير سعى بعد ذلك إلى إعادة تأكيد القيادة العالمية للولايات المتحدة، من خلال دعم أوكرانيا وتايوان، وفي رده على الحرب بين إسرائيل وغزة.

وعلى النقيض من ذلك، انقلب ترامب وغيره من الجمهوريين البارزين، مثل رون دي سانتيس، على المساعدات المقدمة لأوكرانيا. ولا يزال الجمهوريون ثابتين في دعمهم لإسرائيل. لكن يسار الحزب الديمقراطي أصبح عدائيا بشكل متزايد. وتظهر استطلاعات أن الرأي العام الأمريكي يشكك بشكل متزايد في الصين. ولكن ما إذا كان هذا من شأنه أن يترجم إلى استعداد للقتال من أجل تايوان فهو أمر غير أكيد.

 ويستدرك الكاتب أنه مع تصاعد التوترات الأمنية في مختلف أنحاء العالم، تجد الولايات المتحدة صعوبة متزايدة في الاضطلاع بدور الشرطي في ثلاث مناطق رئيسية في وقت واحد. قد يكون أحد الأسباب التي جعلت إدارة بايدن بخيلة نسبيا في تزويد أوكرانيا بالصواريخ بعيدة المدى هو أن البنتاغون يريد الحفاظ على بعض مخزونه، في حالة الحاجة إليها لتايوان. كما أن تعزيز الإنفاق الدفاعي ليس بالأمر السهل، في حين تعاني الولايات المتحدة من عجز في الميزانية يبلغ 5,7% من الناتج المحلي الإجمالي، ويبلغ الدين الوطني 123% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويعلق الكاتب أيضا أنه كانت هناك منذ فترة طويلة، مدرسة فكرية في الأوساط الأكاديمية مفادها أن الولايات المتحدة لابد أن تقلص بشكل جدي التزاماتها العسكرية في الخارج.

وقد جادل البروفيسور جون ميرشايمر، وستيفن والت، بأنه عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على توازن القوى في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، فـ”يجب على واشنطن أن تمرر المسؤولية إلى القوى الإقليمية”.

وتكمن الصعوبة في أن القوى الإقليمية التي ستتحمل الولايات المتحدة المسؤولية عنها، غير مجهزة بمفردها لوضع حد للطموحات الإقليمية لروسيا والصين وإيران. إن تحالف الناتو بدون الولايات المتحدة سيبدو غير فعال في أحسن الأحوال، وقد ينهار في أسوأ الأحوال. وسوف تكافح إسرائيل والسعودية لاحتواء إيران، من دون وجود قوة أمريكية في الخلف. وسوف تواجه اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وأستراليا مشاكل مماثلة مع الصين في آسيا.

ويعتقد الكاتب أنه لن يتم الشعور بالعواقب المترتبة على الانسحاب الأمريكي من العالم إلا في الولايات المتحدة ذاتها. وكما فهم جيل ما بعد عام 1945، فحتى أمريكا سوف تتعرض في نهاية المطاف للتهديد بفعل صعود القوى غير الديمقراطية والتوسعية في أوروبا، أو آسيا، أو الشرق الأوسط.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي