101 يوم عدوان على غزة: إسرائيل على مفترق طرق.. إما صفقة شاملة أو تحمل تبعات القضاء على حماس  

الامة برس-متابعات:
2024-01-15

 

الجمهور الإسرائيلي لم ينتقل بعد من مرحلة الصدمة إلى مرحلة ما بعد الصدمة (أ ف ب)الحرب الحالية، التي أتمت أمس 100 يوم على بدئها، تنطوي على جملة ضربات غير مسبوقة: مفاجأة استراتيجية من جانب عدو ليس دولة، جسدت مفهوماً مغلوطاً وانعدام فهم “بالآخر” في السنوات الأخيرة؛ وتقتيل جماعي – لم يسبق في تاريخ النزاع أن قتل إسرائيليون بهذا القدر في يوم واحد مثلما في 7 أكتوبر؛ والاجتياح الأكبر لأراضي الدولة في ظل التسبب بدمار للبلدات وتحويل سكانها إلى لاجئين؛ وبالطبع الاختطاف الجماعي الذي يواصل النزف كجرح مفتوح وأليم.

حدث قاس رفع ذكريات صادمة عن تهديدات الإبادة. فقد هز الثقة بالنفس في أن اليهود قطعوا أنفسهم عن مصيرهم التاريخي المأساوي، واكتسبوا القوة وينجحون في العيش كفقاعة غربية محصنة في قلب منطقة وحشية. نشأت أحاسيس قاسية من الإهانة الوطنية بل والقلق الوجودي من الفجوة التي بين ذاك الفهم ومواضع الخلل الصعبة التي انكشفت في 7 أكتوبر في الجانب الإداري والأمني – وبخاصة الاستخباري.

في الكفة السلبية في الميزان الاستراتيجي الإسرائيلي، عناصر أخرى: اغتراب شديد بين الجمهور والقيادة، الذي كان قائماً قبل الحرب بسبب الإصلاح القضائي واتضح في أثنائه؛ وصعوبة في القدرة على إدارة الحرب في عدة جبهات وترافقت مع تأكيد تعلق إسرائيل بإسناد أمريكي؟ وانعدام قدرة على منح جواب سريع وكامل لمسألة المخطوفين؛ ونقد شديد في الساحة الدولية والصعوبة في تجنيد العطف على المعاناة وتعقيدات المعركة؛ وعدم القدرة على تقديم جواب كامل أمام تهديدات مصدرها جبهات الشمال والبحر الأحمر بتوجيه إيران، التي تعزز مكانتها كقوة إقليمية عظمى وتحث برنامجها النووي.

ولكن الحرب الحالية، مثل حرب 1973، كثيرة الإنجازات أيضاً، وبخاصة في المستوى العسكري؛ فقد انتعش الجيش الإسرائيلي بسرعة نسبية، وخرج إلى هجوم مضاد في أرض العدو، وعملياً احتل نحو نصف أراضي القطاع. إضافة إلى ذلك، ألحقت إسرائيل بحماس ضربات غير مسبوقة: تصفية زعماء، وتدمير بنى تحتية عسكرية وعلى رأسها منظومة الأنفاق المتفرعة، وتقليص كبير للتهديد الصاروخي. بينما شهد الجانب الفلسطيني كله في الخلفية تقتيلاً وتدميراً يفوقان ما حصل في نكبة 1948. إضافة إلى ذلك، يبرز نجاح في الحفاظ على هدوء نسبي في الضفة وفي أوساط الجمهور العربي في إسرائيل، ما يتسبب بإحباط عميق لحماس، إلى جانب حفظ اتفاقات السلام مع الدول العربية، ونجاح في تجنيد التأييد من جانب العديد من الدول الغربية، وتجسيد الحلف الصلب بين الولايات المتحدة وإسرائيل، الذي يشكل عنصراً مركزياً في صورة الوضع – مثلما ثبت في التصدي لـ”حزب الله”.

أما الإنجاز الأبرز فيتعلق في الساحة الداخلية، ويتجسد في تجند غير مسبوق من الجمهور في المعركة في ظل إظهار حصانة داخلية وتضامن وتكافل متبادل واستعداد للتضحية، ما يسمح باستمرار القتال، وأغلب الظن شكل مفاجأة للسنوار الذي آمن بأن المجتمع الإسرائيلي لن يصمد في معركة دموية وطويلة. يدور الحديث عن حالة نادرة بمقياس عالمي يشكل فيها الجمهور محركاً مركزياً لجهد قومي عسكري، رغم الفجوات ومشاكل الثقة بينه وبين قيادته. الأجواء الجماعية وإن كانت متكدرة للغاية منذ 7 أكتوبر، لكن سير الحياة في قسم كبير من الدولة قائم، بما في ذلك أداء أجهزة الحكم والمرافق الاقتصادية، واحترام النظام العام واستمرار الفعل الاجتماعي.

وعليه، فبعد 100 يوم من نشوب الحرب، الجمهور مصمم على مواصلة الصراع، لكن يعشش إلى جانبه أيضاً قلق في ضوء عدم تحقيق الأهداف المركزية: حكم حماس لم ينهر، والمخطوفون لم يعودوا إلى الديار. والنتيجة نشوء تدريجي لواقع غامض يترافق مع تجسد سياسي وعسكري غير واضح للجمهور، وقد يكون محملاً بالمصيبة: هناك احتمال أن تتطور إلى حرب استنزاف متواصلة تسمح لحماس أن تدعي بأنها نجحت في النجاة حتى بعد ضربات قاسية ورغم سيطرتها على قسم من القطاع. وهذا الوضع الانتقالي لن يسمح بتثبيت نظام جديد في غزة في “اليوم التالي”، يترافق مع نقد دولي متعاظم، لا يسمح بعودة سكان الغلاف إلى بيوتهم أو تحقيق صفقة مخطوفين، وبالأساس سيبعث اليأس بالجمهور في ضوء فجوة ستتعمق بين أهداف الحرب والواقع بالفعل.

إسرائيل على مفترق طرق، وعليها الاختيار بين مسارين متعارضين: العمل على صفقة مخطوفين معناه إبقاء حماس على حالها، بل وربما انسحاب من غزة حالياً أو استمرار الجهد للقضاء على حكم حماس، ما يفترض السيطرة على كل قطاع غزة – مع الثمن العسكري، السياسي، الاقتصادي والجماهيري الجسيم الذي ينطوي على ذلك. لا ينبغي أن يزوغ البصر من حلول أخرى، مثل إقناع مسؤولي حماس الإجلاء عن غزة أو الترحيل الطوعي وإقامة حكم عشائر في غزة. هذه أفكار ذات احتمالية متدنية، ومجرد البحث فيها يزيد تشوش الجمهور وإحباطهم.

المطلوب نظرة مباشرة إلى الواقع إزاء الساحة الشمالية التي بقيت ثانوية على الأقل حتى هذه اللحظة. احتمال إخلاء جنوب لبنان من قوات “حزب الله” حسب قرار 1701 بتسوية سياسية ليس طفيفاً، لكنه مفعم بعلامات استفهام وينطوي على تهديد ببناء واقع غامص تتواصل في إطاره مناوشة عسكرية تمنع عودة سكان إسرائيليين إلى بيوتهم. في الشمال مثلما في الجنوب أيضاً، يجب الحذر من أوضاع مركبة غريبة عن المعايير المتبعة في الشرق الأوسط، وتفضيل القرارات الحاسمة – حتى وإن كانت ثقيلة الثمن – على “قصص مفتوحة”.

الجمهور الإسرائيلي لم ينتقل بعد من مرحلة الصدمة إلى مرحلة ما بعد الصدمة. ومع ذلك، يجب تبني استنتاجين استراتيجيين ينشآن عن 7 أكتوبر: طرح متواصل وثاقب مع علامات استفهام أمام أصحاب القرار وبخاصة حين يطرح هؤلاء أفكاراً عامة وغامضة، وتحسين فهم للمنطقة المحيطة بنا وبخاصة من خلال تعلم اللغة والثقافة. لن تبعث بالضرورة على التفاؤل، لكنها ستجعلنا ذوي رؤية واعية ودقيقة للواقع المعقد في المنطقة.

ميخائيل ميلشتاين

يديعوت أحرونوت 15/1/2024








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي