لا يزال عدد الضحايا في غزة مرتفعا رغم الضغوط على إسرائيل

الأمة برس
2024-01-16

فلسطينيون في رفح، جنوب قطاع غزة، يشيعون جثامين الشهداء في القصف الإسرائيلي (ا ف ب)

باسل درويش

استعرض تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" أعده الصحفيان كارين دي يونغ وجون هدسون العدوان الإسرائيلي على غزة، وسياسة التدمير التي يتبعها الاحتلال.

وقال الصحفيان، "إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن لم يقم بتلطيف الكلمات مع المسؤولين الإسرائيليين. وقال لهم خلال زيارة في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر، إنهم يفقدون الأرضية الأخلاقية في حربهم مع حماس".

وذكر التقرير، "أن نقل حربهم التي نهجت سياسة الأرض المحروقة من شمال غزة إلى الجزء الجنوبي من القطاع، كان من الضروري خفض الوفيات بين المدنيين، وزيادة المساعدات الإنسانية بشكل كبير".

وأضاف: "كان هو وغيره من كبار المسؤولين الذين زاروا تل أبيب في ذلك الوقت قد ضغطوا من أجل الانتقال إلى حرب منخفضة الشدة بحلول نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، واستبدالهم بالقصف الشديد الاستهداف الاستراتيجي لكبار مسؤولي حماس".

وقال أحد كبار المسؤولين الستة في الإدارة الذين تحدثوا عن الدبلوماسية الحساسة المستمرة بشرط عدم الكشف عن هويتهم: "أخبرنا الإسرائيليون أنهم سيتخذون كل هذه الخطوات الجديدة في الحملة في الجنوب".

ولكن بعد مرور ستة أسابيع، ومهما كانت نوايا إسرائيل في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر، فإن شدة هجومها لم تتراجع بشكل كبير. وكان الانخفاض في عدد الضحايا المدنيين وأي توسع في المساعدات الإنسانية هامشيا ومتقطعا.

وتابع: "وقد أوضحت إسرائيل في المناقشات الأخيرة، كما قال مسؤولون في الإدارة، أنها ستواصل حملتها المكثفة طوال شهر كانون الثاني/ يناير الجاري".

وأضاف: "بدت إدارة بايدن، الحليف الأقرب لإسرائيل والمورد الرئيسي للأسلحة، غير قادرة أو غير راغبة في ممارسة تأثير ذي معنى على كيفية إدارة الجيش الإسرائيلي للحرب. على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت في طليعة الجهود الرامية إلى إيصال المساعدات إلى الفلسطينيين في غزة، وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين هناك، إلا أن دورها المزدوج باعتبارها المدافع الرئيسي عن إسرائيل ضد عالم متزايد العداء قد قوبل بانتقادات ومطالبات دولية ومحلية متصاعدة بوقف فوري لإطلاق النار".

وقد أدى المعدل المرتفع للضحايا المدنيين إلى دعوات من اليسار للإدارة لوضع شروط على مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية المقدمة لإسرائيل سنويا.

وقال مات دوس، نائب الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الدولية والمستشار السابق للسيناتور بيرني ساندرز: "إذا كان الرئيس محبطا حقا، فلديه الكثير من الأدوات التي يمكنه استخدامها".

وأشار إلى "أن الوعد بالدعم غير المشروط بغض النظر ليس طريقة جيدة لجعل شخص ما يفعل شيئا مختلفا، وحتى الديمقراطيون الوسطيون طالبوا بمزيد من الدعم الأمريكي".

وقال السيناتوران، كريس فان هولين (ماريلاند) وجيف ميركلي (ولاية أوريغون) في بيان الأسبوع الماضي بعد رحلة إلى المنطقة، "من الضروري" أن تطالب الولايات المتحدة الإسرائيليين برفع العقبات التي تبطئ تسليم "السلع الأساسية اللازمة للحفاظ على الحياة في غزة".

وقالت دولة الاحتلال، إن تدخل حماس، وقرارات الأمم المتحدة، وعدم الكفاءة، تعيق المساعدات الإنسانية.

وقدر المسؤولون "الإسرائيليون أن الجيش يقتل مدنيا واحدا مقابل كل مسلح من حماس، وهو سبب يصرون على أنه أقل من حملات مكافحة الإرهاب التي قامت بها دول أخرى، ويقولون إن ذلك يوضح التزامهم بحماية حياة الأبرياء. وأعرب مسؤولون أمريكيون عن شكوك قوية في أن هذا يعكس الواقع في غزة".

وفي الأسبوع الماضي، وفي اجتماعاته الأخيرة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومة الحرب، قال بلينكن إنه سينقل إلى الرئيس بايدن ردهم على المخاوف الأمريكية الجادة.

وقال نتنياهو، السبت، بمناسبة مرور 100 يوم على بدء الحرب، إنه سيستمر "حتى النصر الكامل، وإعادة جميع الرهائن لدينا، وضمان أن غزة لن تشكل مرة أخرى تهديدا لإسرائيل… لن يوقفنا أحد".

وبحسب التقرير، "فعندما يتعلق الأمر بتخفيف الطريقة التي تنفذ بها إسرائيل عمليات عالية الكثافة، فإن إدارة بايدن مقتنعة بشكل متزايد بأن الإسرائيليين يرفضون الاستجابة لنصيحتها".

وقال مسؤول كبير إنه من غير المجدي حثهم على التغيير، وإن أولوية واشنطن تحولت الآن إلى التسامح مع العملية الإسرائيلية عالية الكثافة طوال شهر كانون الثاني/ يناير، في حين تصر بدلا من ذلك على خفض إيقاعها في شباط/ فبراير.

 وفي مؤتمر صحفي بعد مغادرته تل أبيب الأسبوع الماضي، رفض بلينكن التلميحات بأن الهدف الرئيسي لرحلته – مناقشة خطط مع الشركاء العرب وإسرائيل لإعادة إعمار وحكم القطاع بعد انتهاء الحرب – يعني أن الإدارة قد ابتعدت عن المحاولة للتأثير على سلوك إسرائيل.

وقال بلينكن: "فيما يتعلق بحماية المدنيين والإصابات.. نحن نركز بشكل مكثف على ذلك، تماما كما نركز بشكل مكثف على زيادة المساعدات الإنسانية".

وأضاف: "لقد كنا واضحين للغاية أنه من الضروري القيام بالمزيد، وأن تبذل إسرائيل المزيد من الجهد لحماية المدنيين، حتى في الوقت الذي تعمل فيه على ضمان عدم حدوث 7 أكتوبر مرة أخرى".

وكانت الـ 24 ساعة التي سبقت وصول بلينكن إلى دولة الاحتلال يوم الثلاثاء واحدة من أكثر الأيام دموية في غزة منذ بدء الصراع، حيث خلفت 250 شهيدا.

ووفقا لوزارة الصحة في غزة، استشهد أكثر من 23,900 من سكان غزة منذ بدء الحرب، معظمهم من النساء والأطفال.

وقال مارتن غريفيث، كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، لمجلس الأمن يوم الجمعة، إن "الوضع لا يزال مروعا مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية بلا هوادة"، مضيفا أن خطر المجاعة "يتزايد يوما بعد يوم"، و"الحياة الإنسانية الكريمة أصبحت شبه مستحيلة".

وقال إن نحو 1.9 مليون من سكان غزة، أو 85 بالمئة من السكان، نزحوا من مختلف أنحاء غزة.

وقد "حُشر معظمهم في قطعة أرض أصغر من أي وقت مضى" في الجنوب في أعقاب أوامر الإخلاء الإسرائيلية، "فقط ليجدوا المزيد من العنف والحرمان، والمأوى غير المناسب، وشبه غياب للخدمات الأساسية".

وبينما تحدث بلينكين عن تقييم للأمم المتحدة لتمكين سكان شمال غزة من العودة، قال غريفيث إنه "من الصعب حاليا تخيل أن الناس سيعودون أو يمكنهم العودة شمالا".

وذكرت الأمم المتحدة في تحديثها الصادر يوم الجمعة أن خمس شحنات فقط من أصل 24 شحنة مقررة لشهر كانون الثاني/ يناير من الغذاء والدواء والمياه وغيرها من الإمدادات وصلت إلى شمال غزة – حيث لا يزال هناك ما يتراوح بين 150,000 إلى 300,000 مدني وسط الأنقاض – مشيرة إلى رفض الجيش الإسرائيلي المرور "لأن الطرق المتفق عليها غير قابلة للعبور".

حتى يوم الجمعة، دخل ما معدله 126 شاحنة محملة بالمساعدات إلى غزة في شهر كانون الثاني/ يناير عبر الممرين الوحيدين المتاحين – معبر رفح من مصر وكرم أبو سالم من جنوب إسرائيل – مقارنة بمتوسط 108 شاحنة خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر كانون الأول/ ديسمبر ، بحسب أرقام الأمم المتحدة. وقبل الحرب، كانت تدخل غزة يوميا حوالي 500 شاحنة توصيل.

وقال التقرير، "أن أي زيادة كبيرة تعتبر غير محتملة في ظل النظام المعقد الحالي الذي يجب أن تمر به جميع المساعدات قبل أن تصل إلى غزة، ويصل معظمها إلى ميناء أو مطار العريش في شرق مصر".

ومن هناك، يتم تحميلها على شاحنات لإجراء تفتيش أولي من قبل مصر على جانبها من معبر رفح، ثم يتم نقلها لإجراء مزيد من التفتيش الإسرائيلي في نيتسانا في جنوب إسرائيل قبل إعادة تحميلها وإرسالها إلى كرم أبو سالم أو إعادتها إلى رفح، ليتم إعادة تحميلها مرة أخرى داخل غزة على مركبات أصغر لتوزيعها من قبل الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأخرى.

وقد اتهم المسؤولون الإسرائيليون مرارا بأن أي نقص في المساعدات يرجع إلى أعمال النهب التي تقوم بها حماس داخل غزة، وهو الأمر الذي تنفيه كل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة في الأيام الأخيرة إن أي نهب حدث، حدث من طرف المدنيين في غزة "اليائسين" فهم لا يعرفون متى أو ما إذا كانت الشحنة التالية ستصل أم لا.

واعترض مسؤول أمريكي كبير بشدة على توصيف إسرائيل، قائلا إن "الحكومة الإسرائيلية لم تقدم لحكومة الولايات المتحدة أي دليل محدد على سرقة حماس أو تحويل المساعدات المقدمة عبر الأمم المتحدة ووكالاتها".

وكانت العلاقة بين إسرائيل والأمم المتحدة متوترة منذ فترة طويلة، وتتهم إسرائيل مسؤولي الأمم المتحدة داخل غزة بأنهم ذراع لحماس. ومع ذلك، يشيد المسؤولون الأمريكيون دائما بالأونروا لجهودها في ظل الظروف الصعبة، بما في ذلك مقتل أكثر من 130 من موظفيها خلال القصف الإسرائيلي المتكرر لمرافق الأمم المتحدة.

ومع منع الصحفيين الخارجيين من دخول غزة، باستثناء الزيارات القصيرة التي تتم بمرافقة عسكرية إسرائيلية إلى الشمال، فمن الصعب تأكيد العديد من التقارير الواردة من داخل الصراع.

وعرض "الجيش الإسرائيلي يوم الجمعة وجهة نظر بديلة للواقع في غزة، ونشر مقطع فيديو بعنوان "المساعدات الإنسانية، الحرب الحضرية وكل شيء بينهما: ملخص مدته 7 دقائق للحرب ضد حماس على موقعه الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي. يبدو أنه مخصص للاستهلاك الأجنبي، وقد تم سرده باللغة الإنجليزية".

ويرى كاتبا التقرير، "أن إسرائيل أدركت منذ بداية الصراع أن القتال ضد مقاتلي حماس المتمركزين بعمق في المناطق المدنية يمكن أن يؤدي إلى أضرار جسيمة للبنية التحتية وخسائر كارثية في أرواح المدنيين كما جاء في الفيديو وقرر الجيش الإسرائيلي أمرين أساسيين: الخطوات الإنسانية التي كان لا بد من اتخاذها".

وبدلا من تدمير المناطق بالكامل والمستشفيات والمدارس التي روتها الأمم المتحدة وغيرها، تقول إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستخدم الاستطلاع الاستخباراتي و"تتبع المواقع الخلوية" لبناء "صورة في الوقت الحقيقي للكثافة السكانية المتبقية" للتخطيط للمناورات المستقبلية" وبالتالي إنقاذ "أرواح لا حصر لها". 

كما ذكر الفيديو أن إسرائيل كانت حريصة على دخول المساعدات الإنسانية والطبية بالتنسيق مع مصر بحيث "مكنت هذه الإجراءات المشتركة من زيادة حجم المساعدات اليومية بنسبة 1000%".

لا يقدم الفيديو أي أساس للمقارنة، على الرغم من أنه لم ترفع إسرائيل الحظر الكامل الذي فرضته في زمن الحرب على جميع المواد الغذائية والمياه والوقود والإمدادات الطبية التي يتم توصيلها إلى غزة، إلا بعد الأسبوعين الأولين من الحرب، وبعد تدخل مباشر من جانب بايدن.

وتقول الأمم المتحدة إن 15 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى في غزة تعمل بشكل جزئي، وإن المرافق والأطباء المتبقين لا يستطيعون تلبية الحاجة، وإنه "تم تلبية 26% فقط من احتياجات الإمدادات الطبية المطلوبة".

وفي الوقت نفسه، "أدى الرفض المتكرر لتوصيل الوقود إلى مرافق المياه والصرف الصحي إلى حرمان الناس من الحصول على المياه النظيفة".

وبحسب التقرير، "فإن الجمع بين نقل المياه بالشاحنات والمياه من محطة تحلية المياه العاملة واستعادة أحد خطوط إمدادات المياه الرئيسية الثلاثة في 30 كانون الأول/ ديسمبر، لم ينتج سوى 7 بالمئة من إنتاج المياه في غزة، مقارنة بإمدادات ما قبل تشرين الأول/ أكتوبر 2023".

ويقدر برنامج الغذاء العالمي أن 93 بالمئة من سكان غزة يواجهون مستويات أزمة الجوع.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي