نيويورك تايمز: دفاع جنوب أفريقيا عن فلسطين في لاهاي هو تعبير عن ضميرها الجمعي ولفتح الطريق أمام المظلومين  

2024-01-26

 

يمثل المحامون والقضاة في لاهاي بلدا جاءت هويته نتاجا لكفاح جماعي ورفض للقومية العرقية عن الدم والتراب التي خلفتها جنوب أفريقيا وراءها عندما هزمت الأبارتهايد القانوني (أ ف ب)نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا للأستاذ المشارك بجامعة “ذي نيو سكول” بمدينة نيويورك، ومؤسس موقع “أفريقيا إز أكنتري” (أفريقيا بلد)، شون جاكوبس، قال فيه إن جنوب أفريقيا تتعامل مع ضميرها الأخلاقي في القضية التي قدمتها ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.

وقال: “بداية هذا الشهر، ذهبت وابنتي البالغة من العمر18 عاما لحضور حفلة قدمها المغني الجنوب أفريقي ثانديسوا مازاواي مع فرقته الموسيقية في مهرجان مانهاتن. وكان هناك العديد من رفاقي الجنوب أفريقيين المغتربين بالولايات المتحدة ضمن الحضور، ولاحظت روزا الحاضرين في الحفلة وهم يلوحون بعلم جنوب أفريقيا. ومن النادر ما تجد هذا خارج المناسبات السياسية والرياضية، ولكن الكثير من الجنوب أفريقيين يعيشون على ما يبدو لحظة تأكيد النفس والوطنية لأن حكومتنا قدمت دعوى إبادة جماعية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بسبب أفعالها في غزة، بشكل عزز موقفها على المسرح العالمي في التضامن مع الفلسطينيين”.

وعشية جلسة الاستماع أمام المحكمة، أرسل صديق للكاتب في كيب تاون، رسالة قال فيها: “أشعر أنها أجواء مثل عشية عيد الميلاد تقريبا أو الليلة قبل المباراة النهائية”.

وبسبب اختلاف الوقت، فقد تابع الكاتب نسخة مسجلة لوقائع جلسة المحكمة في 11 كانون الثاني/ يناير عندما وصل إلى مكتبه. وعندها أرسلت فرانسيسكا البانيز، المقررة الخاصة لفلسطين في الأمم المتحدة، رسالة عبر منصة إكس قالت فيها: “مشاهدة النساء والرجال الأفارقة يقاتلون من أجل إنقاذ الإنسانية من الهجمات الوحشية التي دعمتها وساعدتها معظم الدول الغربية ستظل أهم صورة تحدد زمننا، وهذا صناعة للتاريخ مهما حدث”.

ويقول جاكوبس، كأسود من جنوب أفريقيا، نشأ أثناء الكفاح من أجل التحرر، ووصل درجة الوعي مع ولادة جنوب أفريقيا الديمقراطية، إن كلمات ألبانيز كان لها أصداء، وكذا القضية المقدمة أمام محكمة العدل الدولية، بغض النظر عن النتيجة يوم الجمعة، وهو موعد إصدار المحكمة لقرارها بشأن التدابير المؤقتة.

 ويمثل المحامون والقضاة في لاهاي بلدا جاءت هويته نتاجا لكفاح جماعي ورفض للقومية العرقية عن الدم والتراب التي خلفتها جنوب أفريقيا وراءها عندما هزمت الأبارتهايد القانوني.

ويقول جاكوبس إن هذا النوع من السياسة بدا للكثير من الجنوب أفريقيين محددا لسياسة إسرائيل التي تمارسها منذ سنين ضد الفلسطينيين، واصطف الحزب الحاكم الآن، المؤتمر الوطني الأفريقي، مع القضية الفلسطينية. وفي محكمة العدل الدولية، فهؤلاء الجنوب أفريقيين قاتلوا مرة، وساعدونا على تخيل أمّة بُنيت على الكفاح المشترك والمُثُل بدلا من هوية جماعة، كما يقول الكاتب.

فبعد نهاية الأبارتهايد، كان هناك حس في جنوب أفريقيا، بأنها ستكون قادرة، عبر تاريخ النضال والدستور التقدمي، على تحويل النظام العنصري، وأن تكون ضمير العالم. وباستثناء فترة وجيزة أثناء الرئيس نيلسون مانديلا، فقد فشل البلد في تحقيق هذا المثال أو الالتزام به. وبطريقة ما، لم يكن البلد مسؤولا عن هذا بالكامل، فحركة عدم الانحياز التي تبنتها دول العالم النامي، اختفت من المشهد في التسعينات. وأدى إجماع واشنطن بشأن السوق الحرة والتجارة والقيود على الأسواق المالية، وفشل الخيال السياسي لتقييد اقتصاد جنوب أفريقيا ومنع تحوله وبناء طريق جديد.

وتصادم مثال حركة التحرر الوطنية مع عالم معقد من التسويات والتعايش. وفي الشهر الماضي، عادت إلينا بعض تلك الآمال القديمة، كما يقول الكاتب، فقد أدت الحالة أمام المحكمة في لاهاي لاصطفاف جنوب أفريقيا مع العالم الثالث أو ما يعرف اليوم بعالم الجنوب، واكتسبت حلفاء.

وانضم محام من أيرلندا -بلد آخر عانى من الاستعمار والعنف الاستعماري- إلى فريق جنوب أفريقيا في لاهاي، وقام الناجون من الإبادة في البوسنة بتوصيل عرائض للمحكمة للحث على فعل دولي من أجل الفلسطينيين. وعندما افتتحت جلسات المحكمة، كان محامو جنوب أفريقيا مصممين وتحدثوا من خلال التجربة الوطنية.

وقال المحامون بصوت عال إن أشياء تبدو بديهية للناس في جنوب أفريقيا، ولكنها تتعرض للقمع والرقابة في الخطاب العام عن إسرائيل وفلسطين في الغرب. ونطقوا بالأبارتهايد والنكبة، التي حدثت في نفس العام الذي أُعلن فيه عن بداية نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وأسهم النظام القانوني هذا بالطرد الإجباري للسود في جنوب أفريقيا، بمن فيهم والد الكاتب وعائلته من بيوتهم وأراضيهم.

وقال جاكوبس إن بعض المعلقين الدوليين والصحف العالمية اقترحت في الأيام التي سبقت الاستماع، أن المحامين الذين يمثلون جنوب أفريقيا، هم أدوات سياسية يحملون رسالة للمؤتمر الوطني الأفريقي الذي يواجه حملة انتخابية صعبة هذه العام، وربما حاز على أصوات الناخبين من خلال دعمه القضية الفلسطينية.

صحيح أن بعض الساسة في جنوب أفريقيا يدعمون القضية بطريقة انتهازية، لكن المحامين في لاهاي هو أنفسهم المحامون في جنوب أفريقيا ممن يعارضون الحكومة ويناضلون لدفعها على إعادة توزيع الأراضي وتحسين التعليم والصحة ومحاربة الفساد ويمثلون أحزابا في المعارضة.

ففي الأيام التي تبعت جلسة الاستماع، فكر الكاتب بأنها قد تكون لحظة محملة بالأمل القليل، حيث يتوقع الإنسان من المؤسسات الدولية قرارات مخففة تعطي مرتكبي الأفعال فرصة للهروب من العقاب، وفي الوقت نفسه، فمن خلال متابعة المؤسسات الدولية وتحديها للتحرك بناء على مبادئها، فما فعلته جنوب أفريقيا هو وضع معيار للمجتمع المدني الدولي.

وتقدمت جنوب أفريقيا، وأظهرت ما يمكن أن نكون عليه وكيف تقوم الجماعات التي واجهت القمع والعنف بالوقوف معا وبثقة على المسرح الدولي، وما قاله هؤلاء المحامون: “عليك أن تعتاد على سماع أصواتنا”.

 








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي