العراقي سمير عبد الجبار: على الممثل الحفاظ على طفولته

2024-01-31

مروان ياسين الدليمي

كان حلم اكتشاف التجارب الحديثة في المسرح، قد شغل تفكير الممثل سمير عبدالجبار، حال تخرجه من معهد الفنون الجميلة في بغداد نهاية سبعينيات القرن الماضي، ولم يتوان عن المغامرة والارتحال إلى فرنسا، بحثا عن أفق جديد، متجاوزا كل الصعوبات التي وقفت أمامه، وتمكن من إكمال مسيرته العلمية في جامعة السوربون، إلاّ أنه كان يسعى إلى إحراز مساحة أوسع في العمل التطبيقي ضمن المشهد المسرحي الفرنسي، ونتيجة لجهده ومثابرته وتميزه، حظي باهتمام المخرجة الفرنسية أريان موشكين، ليصبح أحد أعضاء فرقتها الشهيرة «مسرح الشمس»، وها قد مضى أكثر من ربع قرن على أول تجربة خاضها مع الفرقة، وما يزال مساهما في جميع عروضها المسرحية التي تقدمها في فرنسا والعديد من بلدان العالم.. للحديث عن رحلته الطويلة هذه أجرينا معه هذا الحوار..

السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا اخترت فرقة مسرح الشمس للعمل معها؟

حين وصلت فرنسا للدراسة في جامعة السوربون، كنت مواظبا على مشاهدة العروض المسرحية، فكنت أتوجه سنويآ إلى مهرجان أفنيون المسرحي الذي يستغرق أربعين يوما، أشاهد خلالها الكثير من العروض، وبالصدف شاهدت ثلاثة عروض لفرقة مسرح الشمس، فصدمت إلى درجة تمنيت أن أكون ممثلا في هذا المسرح، والشيء الآخر الذي شجعني من الاقتراب من هذه الفرقة، أنني كلما كنت ألتقي بعض الفرنسيين من الأصدقاء، كانوا يصرون عليّ أن أكتب رسالة أطلب فيها المشاركة في دورة مسرحية مع أريان موشكين. ودخلت مسرح الشمس بعد دورة استغرقت ستة أشهر، خلالها كانت أريان موشكين بحاجة إلى ثلاثة ممثلين لتجديد فرقتها، وبعد انتهاء الدورة سألتني: لماذا اخترت مسرح الشمس يا سمير؟ قلت لها لكي أنسى كل ما تعلمته سابقا في المسرح وأبدأ معك من جديد.

المساحة المتاحة أمام الممثل في مسرح الشمس هل لها حدود معينة؟

مسرح الشمس يعتمد على الخلق الجماعي، وليس هناك مواهب فردية، كلها تذوب وتنصهر ضمن المواهب الأخرى للممثلين، ولهذا مفهوم النرجسية، لا وجود لها. ولما أسست موشكين فرقتها عام 1963أسستها على مبادئ يسارية اشتراكية، وبدأ التعاون الجماعي المشترك في الخلق المسرحي، وفي الحياة اليومية داخل المسرح، وبعد النجاحات المتلاحقة ازداد عدد الممثلين والعاملين فيها، وظل مبدأ المساواة في الراتب والعمل بين الجميع، ولهذا المساحة المعطاة للممثل هي الحرية الكاملة، لكن في حدود المجموع. مسرح الشمس أرض للغرباء القادمين من العالم، وهناك أكثر من 30 جنسية مختلفة في الفرقة، وأنا الممثل العربي والعراقي الوحيد فيها.

هل من مواصفات معينة ينبغي أن تتوفر في الممثل الذي يعمل مع أريان موشكين؟

أبرز ميزات الممثل في مسرح الشمس: العقلية المنفتحة على الآخرين، أن يكون لديه وعي سياسي حاد وثقافة عامة، وقدرة على الارتجال، والنقطة الجوهرية: المحافظة على طفولة الممثل، فهي ما يجب أن يتحلى بها ممثل مسرح الشمس، لأنها بمثابة الينبوع حين يرتجل، إضافة إلى خفة الحركة والتحولات الجسمانية والقدرة على التعبير، ويبقى موديل الممثل هي المايرونيت (الدمية) من ناحية حركة الوصل والتمفصل، ثم موسيقى الممثل الداخلية التي من دونها لا يستطيع موسيقي المسرح جان جاك لومتر أن يسنده في تمثيلة على المسرح.

كيف استطاعت فرقة مسرح الشمس أن تصمد أكثر من نصف قرن؟

حين يأتي الجمهور إلى المسرح الكثير منهم يطلبون من موشكين التي تقطع التذاكر لهم بنفسها، أن تبقى على قيد الحياة وتستمر، وهذا يؤكد أهميتها، فكريا وجماليا وثقافيا، باعتبار فرقتها فعالة في تقديم الجمال والفكر. والسر في ديمومتها يعود إلى تلاحم الفرقة حول امرأة مبتكرة في كل عمل جديد، إن مسرح الشمس آخر فرقة مستمرة في العالم، بعد أن أغلقت الدنمارك مسرح الأودين، وتخلت عن مؤسس ومخرج المسرح يوجينيو باربا، وقبله تلاشت الفرق الأخرى الأمريكية منها: فرقة مسرح الحر، وفرقة مسرح الخبز والدمية.. عُمر الفرقة قارب الستين عاما، وما زالت أريان متشبثة بالمسرح، مثل رمز المسرح الفرنسي موليير، وهي أيضا مستمرة وبديناميكية عالية، لأنها تعتقد أن العالم في حاجة لمسرح الشمس لكونه مسرحا شعبيا بامتياز، وموشكين تقتفي أثر الذين سبقوها في مسرحهم الشعبي، مثل جان فيلار، وجان لوي بارو، ولوي جوفيه، والفرقة كلها حريصة على تقديم الحقيقة الإنسانية من خلال التعاون الصادق معها.

في قضية اختيار النصوص والأفكار، ما المعايير التي تعتمدها موشكين؟

العديد من عروض الفرقة يتم الاعتماد فيها على نصوص مؤلفة الفرقة هلين سكسو، وهي فيلسوفة ودراماتورغ، والعروض الأخرى تعتمد على فكرة الارتجال الجماعي، وكلها تتحدث عن تاريخ وأزمات الشعوب، لذلك هي عروض ملحمية بمواضيعها وبعدد الممثلين الكبير. كتبت هلين سكسو ملحمة مسرحية عن الهند وعلاقة غاندي مع الإنكليز، كذلك كتبت عن تراجيديا الكمبودج وما فعله الفاشي بول بوت بالكمبودجين، وكتبت عن اضطهاد الصين لشعب التيبت. وعرضنا الأخير «جزيرة من ذهب»، يتكلم عن اليابان المتخيلة، ثقافيا وسياسيا، ولم تساهم هلين سكسو في كتابة النص، بل كتبته أجساد الممثلين وأصواتهم من خلال الغناء والرقص والارتجال الجماعي.

ماذا عن الأعمال التي شاركت فيها في فرنسا؟

قبل دخولي مسرح الشمس عملت لمدة خمسة أعوام مع المخرج الإيطالي الفرنسي أرمان كاتي في عدة عروض منها: «الصيف الهندي، السفر مع لغة المايا، الجنرال فرانكو». وعملت مع المخرج الكندي روبير لوباج في مسرحية «الأمة الأولى»، واستغرق البحث ثلاث سنوات من أجل إنضاج العمل ما بين كندا وفرنسا، واشتركت مع المخرج جان كلود كال في مسرحية «لا ظل للمنفى»، كذلك عملت مع المخرج أريك أندريو في مسرحية «توتوس اندريوس» لوليم شكسبير، وفي مسرح الشمس شاركت كممثل في المسرحيات: «الأمل المجنون، ماكبث، غرفة في الهند، جزيرة من ذهب، ليالي هندية».. حاليا انتهينا من عملنا الجديد الذي سيبدأ بدورة مسرحية مكثفة حول الرقص الكوري.

المسرح في أوروبا دائما كان جزءا مهما من الثقافة التي تنهل منها المجتمعات، هل ما يزال بالأهمية نفسها؟

طبعا، أعطيك مثلا لهذا الانفتاح على الثقافة، منذ سنوات يتربع على رأس المسرح الوطني الفرنسي مسرح الكولين، مدير ومخرج لبناني وجدي معوّض، الذي يبرمج سنويا نصوصه المسرحية، ككاتب ومخرج ومدير، ويقدمها كثقافة مقبلة من لبنان، فقدم مسرحيات عن عائلته التي مزقتها الحرب الأهلية، منها: الأم، والأب، والأخت، إضافة لنصوصه الأخرى مثل: الحريق والغابة. ميزة المسرح في أوروبا إنه يبحث عن استلهامات من عوالم أخرى، كما يتعامل مع مخرجين من بلدان أجنبية، وهذا ما حصل عندما دعا مسرح الكوميدي فرنسيز المخرج المصري يوسف شاهين وأخرج مسرحية «كاليكولا» للكاتب البير كامو، كذلك الكاتب والمخرج الإيطالي داريوفو الذي تعاون مع الكوميدي فرنسيز، كما دعت موشكين المخرج الأمريكي ريتشارد ولسون لتقديم مسرحية «حياتي في الفن»، فهذا التلاقح بين الثقافات يثري الثقافة المحلية.

هل لديك ملاحظات حول ما يقدم من عروض مسرحية عراقية؟

حين تشاهد عرض مسرحية «حياة سعيدة» للمخرج كاظم النصار، تشعر بالفرح والفخر، لأنه عرض متماسك، في المقابل هناك عروض كثيرة متأثرة بما يشاهدونه عبراليوتيوب، وهذه لا تصنع عرضا مسرحيا شعبيا معاصرا لوحدها، مثل صورة أو كلمة لا يمكنها أن تصنع قصيدة شعرية، يجب عليهم أن يأتوا إلى أوروبا والدخول في دورات مع مخرجين معروفين.. نحن في مسرح الشمس مثلا نقيم دورات مسرحية لشباب يأتون من بلدان بعيدة، وسبق أن جاءنا شباب من سوريا وبلدان أخرى.

هل هناك أسباب تقف وراء غيابك عن الفعاليات التي تقام في العراق؟

حين جئت إلى فرنسا ليس من أجل البقاء، بل لكي أعود، مثل ما عمل أساتذتي الذين علموني المسرح في معهد الفنون الجميلة في بغداد، مثل قاسم محمد وخالد سعيد وفاضل القزاز وحامد الأطرقجي وناجي الراوي، هذا ما كنت أرغب فيه، وأنا أعرف جيدا ظروف البلد سابقا، واليوم هناك انفتاح على العالم، مثل النسخة الأخيرة من مهرجان المسرح العربي التي عقدت في بغداد، كنت متحمسا لحضورها، بينما كنت عائدا من طوكيو، بعد سلسلة عروض في اليابان مع مسرح الشمس، لكن لم تصلني دعوة ولا أعرف السبب.

هل هناك مسرحيون عراقيون لهم وجود مؤثر في البلدان التي يقيمون فيها؟

في بلجيكا هناك حازم كمال الدين، لكنه في الآونة الأخيرة اكتفى بتقديم أفكاره الخاصة بخصوص الممثل والحركة، من خلال تقديمه لبعض العروض الغرائبية، التي استعار شكلها الخارجي من الموروث الشعبي العراقي، وسرعان ما تخلى عنها والتجأ إلى كتابة الرواية، وهناك قاسم البياتلي في إيطاليا، الذي أسس فرقة الأركان المسرحية بجهوده الفردية، استطاع أن يقدم سلسلة عروض مسرحية داخل إيطاليا وخارجها، بمعية زوجته الفنانة لورنا، ويعد اليوم واحدا من البيداغوجين في المسرح. وفي السويد يوجد كريم رشيد وإياد حامد، وهما من أكثر العاملين في المسرح نشاطا. وفي هولندا استطاع سعد عزيز تقديم عروض مسرحية بجهوده الشخصية، وهناك محاولات حثيثة للممثل فارس الماشطة، وصلاح حسن الفارس. أما في لندن فتنفرد المخرجة أحلام عرب، بعد أن أدارت المخرجة روناك شوقي ظهرها للمسرح.

بعد هذه التجربة الطويلة، هل لديك تصور معين يمكن أن يضع المسرح العراقي في مقدمة اهتمامات الدولة والمجتمع؟

الثراء الثقافي والمحلي هو نفسه في فرنسا كما هو في العراق، لكن الفارق في الانفتاح عليه، لقد استوحى المسرح الأوروبي من المسرح اليوناني والتراجيديات الإغريقية في بناء مسرح رصين، كذلك في المجتمع العراقي هناك أشكال ثقافية عديدة من الطقوس والملاحم والأساطير في العراق القديم، أيضا المسألة تحتاج أن يتم تدريس المسرح في المدارس، وألا ينحصر في المعاهد والأكاديميات، وأن تشجع الدولة الفرق الأهلية والمؤلفين، وتقام دورات مستمرة في التأليف المسرحي، ولا بد من تطوير الذائقة المسرحية وذلك بدعوة الفرق المسرحية الأجنبية، ودعوة العراقيين المحترفين المغتربين، الذين لديهم خبرات مهنية، ليتم نقلها إلى داخل العراق.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي