نيويورك تايمز: لماذا يتحدث الفلسطينيون والإسرائيليون عن مروان البرغوثي؟

2024-02-15

كان الشبان الفلسطينيون على استعداد لتحدي عرفات وحرسه القديم، ما قاد لِحَنَقِهِ وإصداره التهديدات، بل وغادر لقاءات المجلس (ا ف ب)نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقال رأي لعضو هيئة التحرير ومدير مكتبها السابق في القدس وموسكو وبون، سيرج شميمان، تساءل فيه عن سبب حديث الفلسطينيين والإسرائيليين عن مروان البرغوثي، وتساءل إن كانت حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة ستوافق على مطالب “حماس” الإفراج عنه، ضمن صفقة تبادل الأسرى التي يتم بحثها بين الوسطاء في القاهرة والدوحة.

وقال إن مسؤولاً بارزاً في حركة “حماس” أعلن، هذا الشهر، أن أيّ صفقة لوقف القتال في غزة يجب أن تتضمن الإفراج عن مروان البرغوثي.

وقبل ثلاثة أسابيع، تحدث مسؤول أمني إسرائيلي بارز عن مروان البرغوثي بأنه “الزعيم الوحيد القادر على قيادة الفلسطينيين لدولة بجانب إسرائيل”. ويعلق الكاتب بأن اسم البرغوثي قد لا يكون معروفاً للكثير من الأمريكيين، لكن الفلسطينيين، سواء في غزة أو الضفة الغربية، يعرفونه جيداً، وكذا المسؤولون الإسرائيليون.

فقبل 30 عاماً كان واحداً من الأكثر وعداً في جيل فلسطيني جديد مرشح لخلافة ياسر عرفات، الثوري الذي قاد الفلسطينيين عبر المقاومة إلى قدر من الحكم الذاتي. إلا أن البرغوثي، عضو حركة “فتح” التي تزعَّمَها عرفات، ظلَّ معظم السنوات الماضية في السجن، وصدرت ضده أحكامٌ بتهم القتل والانتماء لمنظمة إرهابية.

وفي هذه الفترة كبرت شعبيته بشكل واسع. ويقود اليوم، وبثبات، استطلاعات الرأي في غزة والضفة الغربية، وأنه قائد الفلسطينيين المقبل.

ومن الصعب تخيّل موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، المعارض الشديد لدولة فلسطينية، والذي تضم حكومته قوميين خبثاء، على الإفراج عن البرغوثي. ومن المحتمل موافقة الإسرائيليين الغاضبين على هجمات “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر على هذا الموقف.

إلا أن البحث عن زعيم فلسطيني بات أكثر إلحاحاً في ظل بحث إسرائيل والدول العربية عن “اليوم التالي” في غزة، كما يسمي الإسرائيليون الحرب المدمرة والقاتلة. وتشمل المفاوضات لوقف القتال في غزة، والتي تجريها الولايات المتحدة والدول العربية، على أسئلة حول وجود شخصية لا علاقة لها بـ “حماس” أو السلطة الوطنية الفاسدة، واستبدالها بالزعيم غير الشعبي في الضفة الغربية، محمود عباس، البالغ من العمر 88 عاماً.

في مقابلة مع صحيفة “الغارديان”، الشهر الماضي، قال عامي أيلون، المسؤول الإسرائيلي البارز، والذي عمل رئيساً لهيئة الأركان المشتركة، ومديراً لشين بيت، ومسؤولاً في الحكومة، إن ذلك الرجل هو البرغوثي، البالغ من العمر 64 عاماً، و”انظر إلى استطلاعات الرأي الفلسطينية”، و”هو الزعيم الوحيد القادر على قيادة الفلسطينيين إلى دولة بجانب إسرائيل. والسبب الأول لأنه يؤمن بمفهوم الدولتين، أما الثاني، فقد حقق شرعيته بالجلوس في سجوننا”.

 وتساءل الكاتب عن سبب محاولة حركة “حماس”، التي لديها تاريخ من النزاع مع “فتح”، الإفراج عنه.

ويتكهن الإسرائيليون أن قيادة “حماس” في الخارج، والتي يتزعمها إسماعيل هنية، تعتقد أن تأمين الإفراج عن زعيم شعبي كالبرغوثي ربما أنقذ موقفها بين الفلسطينيين بعد الحرب الكارثية.

ويتذكر الكاتب لقاءه أول مرة مع البرغوثي، في عام 1996، عندما كان مديراً لمكتب نيويورك تايمز في القدس. وكان في حينه عضواً جديداً في المجلس التشريعي الفلسطيني. كان رجلاً قصير القامة، وقوي البنية، عمره 37 عاماً، وكان متاحاً للصحافيين، ويتحدث مع زملائه في القاعة. وبنى سريعاً علاقات مع سياسيي إسرائيل وأعضاء في حركة “السلام”، التي كانت قوية في حينه. وأخبر البرغوثي الصحافي أن اتفاقيات أوسلو هي “أكبر خطوة في تاريخنا”. ووصل إلى المجلس بنفس الطريقة التي وصل فيها معاصروه إليه. وكتب أنه اعتُقل لأول مرة في 1978، وكان عمره 15 عاماً، وفي الـ 19 من عمره حُكم عليه بالسجن، وعانى من التعذيب والتحقيق، والذي وصفه لاحقاً بأنه “نظامٌ غير قانوني من الاعتقال العشوائي والمعاملة السيئة”. لكنه استثمر وقته في السجن لإنهاء الثانوية وتعلّم العبرية. وعندما أنهى محكوميته وخرج، سجّلَ بجامعة بير زيت في الضفة الغربية، والتي كانت مركز النشاط الفلسطيني. وفي أثناء الانتفاضة الأولى أصبح واحداً من أهم قادتها. واعتُقل ورُحّل إلى الأردن، عام 1987، وعاد بعد توقيع أوسلو، وانتخب عضواً في المجلس التشريعي.

 وفي مقال كتبه شميمان، في آب/أغسطس 1996، بعنوان “خلفاء عرفات”، أدرَجَ اسم البرغوثي في قائمة الشباب الجذابين والحيويين من أعضاء المجلس التشريعي.

وخلافاً لعرفات وجماعته، الذين عملوا وقاتلوا في المنفى، فقد عاش البرغوثي والآخرون في الضفة وغزة، وكانوا على معرفة قريبة بتاريخ وإنجازات إسرائيل. وتحدث معظمهم عن الديمقراطية الإسرائيلية، وكانوا يريدون تقليدها في حكومتهم.

وكان الشبان الفلسطينيون على استعداد لتحدي عرفات وحرسه القديم، ما قاد لِحَنَقِهِ وإصداره التهديدات، بل وغادر لقاءات المجلس.

وفي واحدة من الجلسات، طلبَ المشرعون الشباب من عرفات، الذي أمرَ باعتقال مئات من الناشطين في “حماس” و”الجهاد الإسلامي” بعد سلسلة من التفجيرات، متابعة قوانين السلطة الوطنية، والإعلان عن أسماء المعتقلين والاتهامات الموجهة إليهم. وبالنسبة لعرفات، الذي تعوّدَ على الطاعة الكاملة في منظمته السرية، لم يكن قادراً على فهم الطلب، وخاصة أن كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل رحّبتا بالاعتقالات.

إلا أن المثالية لدى البرغوثي وأقرانه سرعان ما تبدّدت مع تعثر العملية التي بدأتها أوسلو. ولم يمض وقت حتى كان البرغوثي عند المتاريس حاثّاً الفلسطينيين على مقاومة إسرائيل بالقوة.

واعتقل عام 2002، وقُدّمَ إلى محكمة إسرائيلية بتهم قتل مدنيين والإرهاب. وفي أول ظهور له في المحكمة، رَفَضَ التعاون، وصرخَ بالعبرية بأنه يريد تقديم اتهاماته ضد إسرائيل. وكان ظهوره الثاني أكثر صخباً.

وفي النهاية حُكم على البرغوثي بخمسة مؤبدات وأربعين عاماً إضافية، وهو أعلى حكم ممكن.

وظل البرغوثي، وبمساعدة من زوجته المحامية، فدوى البرغوثي، ناشطاً سياسياً من السجن، حيث كان يراوح ما بين رؤى التعايش والمقاومة.

وفي عام 2017، قاد إضراباً عن الطعام للسجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ووَصَفَه بمقالة ضيف على نيويورك تايمز.

وفي آب/أغسطس، التقت فدوى البرغوثي، حسب تقارير، مع مسؤولين ودبلوماسيين بارزين من الولايات المتحدة والعالم العربي والدول الأوروبية للضغط من أجل الإفراج عن زوجها. وقيل إن اللقاء ضَمَّ وزراء الخارجية من مصر والأردن والأمين العام للجامعة العربية، لكن لم تظهر أية تفاصيل عمّا جرى فيه.

ويقول الكاتب إنه من الصعب تخيل الإفراج عن البرغوثي في الوضع الحالي، وخاصة مع استمرار نتنياهو في الحكم، لكن عودة عرفات كزعيم معترف فيه للفلسطينيين كانت مرة مستحيلة.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي