«رماية ليلية» جديد اليمني أحمد زين عن بلد تنهشه الصراعات

2024-02-26

في روايته الجديدة «رماية ليلية» يقدم الروائي اليمني أحمد زين رواية كثيفة، ليس على مستوى السرد فحسب، بل على مستوى شخوصها أيضاً. فليس من السهل أن يعثر القارئ على شخصية بطبقة واحدة، بل ثمة شخصيات كثيرة تعيش وتتصارع وتتناقض وتتحاور داخلها. إذ سرعان ما تتكشف عاملة الفندق عن هشاشة داخل القوة التي تظهر فيها، وكذلك الإعلامية التي تنطوي حياتها على أبعاد ودهاليز شائكة ومعقدة. سيصاب القارئ بدهشة الكشف لدى كل حدث يظهر فجأة، فيفصح عن جوانب وخفايا سياسية وشخصية كشف عنها الصراع الدموي الذي يجري في اليمن الراهن.

«رماية ليلية» الصادرة عن منشورات المتوسط – إيطاليا هي رواية صراع تظهر فيها شخصيات واقعية ورمزية في الآن نفسه، تنوس بين الانتماء القبلي والانتماء الوطني. إذ تكشف الرواية عن صعوبة اضمحلال القبلي لصالح الوطني في الشخصيات السياسية، التي تتصدر المشهد اليمني. سياسيون طارئون، أمراء حرب، جنرالات مهزومون، مسؤولون يعيشون حياة باذخة في فنادق فخمة على حساب من يعيشون في الخنادق وعلى طوابير الخبز والأمور المعيشية:

«طوال النهار ينأى بنفسه عن الموجودين كلّهم، من الزائرين الدائمين، في الفندق الفخم. أكثر ما صار يمقته مشاركتهم الانغماس في المباهج، من طعام وخدمة راقية وأحياناً قات فاخر، يأتيهم من مقرّ الحكومة، حيث يقيم أعضاؤها في فندق مجاور، سيّارة، وقيل طائرة خاصّة، تتكفّل بإيصاله يوميّاً، من البلاد التي ما عاد أحد منهم يشاء العودة إليها، وبمتابعة استثنائية من المكتب الرئاسي، في حال تعطّل تدفّقه لأيّ طارئ..».

رواية متشظية تفرض على القارئ أن يقوم بجمع الشظايا بنفسه ليتوصل بعد ذلك إلى رسم مشهد كامل لوطن مهشم، الأمر الذي يعني أن يقرأ كل جملة في الرواية بتركيز. فالسرد، هنا، بطل رئيس يوازي الأبطال الآخرين على مدار الرواية، إن لم يتفوق عليهم. ساعد على هذا السرد الشيق امتلاك قوي من الكاتب لناصية اللغة.

وأحمد زين: روائي وصحافي يمني. يقيم في الرياض. ويعمل منذ سنوات في الصحافة الثقافية. وحاليا يدير تحرير مجلة الفيصل. صدر له خمس روايات: تصحيح وضع. قهوة أمريكية. حرب تحت الجلد. ستيمر بوينت. فاكهة للغربان.

من الكتاب:

تصدّق نفسها أنها تراهم الآن، في اللوحة قبالتها، ليس في ذاكرتها الشاحبة، المنهكة بهم. كانت كمَنْ يطلّ على مهاوٍ سحيقة، ويشعر أن لا استطاعة له على مقاومة السقوط، ويروح يتحرّى اللحظة التي سيقفز فيها من تلقاء نفسه.

ولا مرّة عثرت على نفسها تريد الاختفاء عن أنظارهم. كانت تشعر بميل غريب إلى أن تراهم، وتتثبّت أنهم حقّاً فتيان مسلّحون، يتوزّعون على نقاط التفتيش، وأن تتفحّص من مسافة كافية هيئاتهم. لا تعرف ما إن كانت راغبة في تأكيد شكوك، أو دحض أخرى، بخصوص نِيَّاتهم. وعندما ستختلس النظر إلى وجوههم، وهي تمرّ بالقرب منهم، متلمّسة مكامن الشرّ الطليق، فإنها لا ترى سوى وجوه لِفتية، مجرّد فتية صغار، فهل هؤلاء هم الذين احتلّوا مدينتها، ومُدُناً أخرى بكاملها؟ كيف لها أن تتصالح مع حقيقة سخيفة مثل هذه؟








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي