يوميات الموت العادي

2024-03-01

قصف إسرائيلي على قطاع غزة (ا ف ب)

قاسم حداد

كثيراً ما ينصحنا أهلنا الفلسطينيون، وهم تحت القصف الإسرائيلي، بأن لا نعتاد ما يحدث لديهم من موت متواصل.. نتفهم ضرورة هذه النصيحة، لكننا لفرط المتابعة المتواصلة لأخبار المحطات التلفزيونية، سوف نرى كيف تتجلى الوحشية بشكل مباشر في الحدث الفلسطيني بامتياز.

٭ ٭ ٭

لكننا نزعم قوة مقاومة العادي.. نزعم فقط، لكي نفشل في الواقع.. نفشل في الاستجابة لتلك النصيحة الفاتنة.. ومن يستطيع مقاومة شهوة الاستماع للأخبار الواردة من غزة.. أخبار تشي بانتصار وشيك، لفرط ما تكرسه الأخبار في سياقها. لكأن القتلى ليسوا سوى أرقام.. أرقام يتوجب أن ننال الانتصار الأكيد كلما تزايد عدد القتلى.. وتلك هي العبادة الناشئة عن العادة.. هذه هي يوميات الموت العادي، التي نقع ضحيتها، باستسلام كامل.

٭ ٭ ٭

كثيرو المزاعم نحن.

ونحن أول من يفشل في مزاعمه.

ونحن أول من يموت مع تلك الضحايا.

نموت كثيراً، بقدر مزاعمنا.

نحن من يرى في القتلى دماً تاريخاً جديرا بالإقامة والسكن.

مولعون بالتاريخ، لا نحسن قراءة التاريخ، فكيف يتسنى لنا كتابته؟

الأحداث تصوغنا أكثر مما نصوغها.

نحن أول من يموت، وأول من يعترض على الموت بالموت.

فنميت بدمنا يوميات الموت العادي.

٭ ٭ ٭

مثل شريط السينما، نرى الأخبار كما لو أنها أفلام العنف والرعب، التي نتمزق معها. لا يدفعنا ما نراه سوى إلى الإحساس المضاعف بالعجز، الذي يجتاحنا ويأسرنا عن الفعل. والذين يعتقدون في الدعاء الدائم على الأعداء يؤثر في قوتهم، فيقعون في الوهم، فالخطب الدينية منذ مئات السنين، تدعو إلى هلاك العدو، ونحن نتلقى الهزيمة بعد الهزيمة، وضحايانا الدورية لا تتوقف في كل مواجهة مع عدونا. (وعين الله بالدخان معمية) حسب تعبير أحد أصدقائي الشعراء في سبعينيات القرن الماضي، عندما احتج عليها بعضهم آنذاك. دعونا نسأل عما يحدث لنا الآن، لئلا نطرح السؤال الآخر، تفاديا لاحتجاج البعض.

٭ ٭ ٭

ونتابع في الأخبار أحاديث عن مليارات الدولارات، التي تتسابق بها الحكومات لشراء الأسلحة لتدمير البشر.. المليارات التي يمكن بذلها لتنمية وإطعام الناس، الذين يموتون في الأرض. من يسأل حكوماتنا عن حجم الهدر العظيم على التسلح إذا كنا نقصر في رد قتل الأهل في فلسطين؟ من يجرأ على مساءلة أنظمتنا العربية التي ستذهب إلى من يحمي حكمها، حتى لو كانت الشياطين والقتلة؟ هناك في دول الغرب التي خذلتنا، يستطيع المواطن (لأنه مواطن حقاً) أن يسأل حكومته، دون أن يخشى شيئاً.

الآن.. بعد أن خذلنا الغرب الرسمي جميعه، وهو يقف داعماً لما تفعله إسرائيل من إبادة واضحة للعرب في فلسطين، ليس من المتوقع أن يتمتع المواطن هناك، وهو يستنكر موقف حكوماته، بسلامته في مستقبل الأيام.

ونحن، بينما نرقب تحولات المواقف الرسمية الأوروبية، للخروج من تبعيتها لأمريكا، لا نجد في تلك الدول وهي تتلقى مليارات الدولارات من النظام العربي إمعاناً في التسلح، سوى استهتاراً ودعماً للدول في النظام العربي، وهو يتآمر «بالعين القوية» ضد شعوبه، محققاً تصفية قضية فلسطين.

٭ ٭ ٭

أظن أن الشاعر محمود درويش هو الذي أطلق تعبير (يوميات الموت العادي) وأعتقد أنه التعبير الذي يناسب الكائن الفلسطيني، الذي يموت يومياً، منذ أكثر من سبعين عاماً، وهو في كل مراحل حياته، وعندما يراهن البعض على فناء السؤال الفلسطيني، ينهض الفلسطينيون مثل الفينيق، من جديد ويعطونا الدرس بلا هوادة.. ويعيشون موتهم العادي كل يوم.

شاعر بحريني








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي