الأردنيون يبتهجون بدخول شهر رمضان بالفوانيس والأهلة والأجواء الروحانية

قنا - الأمة برس
2024-03-14

(ا ف ب)

تبدأ استعدادات الأردنيين لاستقبال شهر رمضان بدخول شهر شعبان، حيث تقوم الأسر الأردنية بالتسوق للتجهيز للشهر الفضيل وتأمين احتياجاتها خلاله بهدف الابتعاد عن الازدحام الذي تشهده مناطق الأردن خلال الشهر الكريم.

الأردنيون يبدؤون أول أيام شهر رمضان، بتبادل الزيارات بين بعضهم ويتبادلون التهاني بمناسبة حلول الشهر الفضيل، ومن العبارات المتداولة في هذه المناسبة، قولهم: (ينعاد عليكم بالصحة والسلامة).

وتعتبر الأجواء الروحانية هي الحاضر الأكبر بيوم الأردني في شهر رمضان الكريم وتشهد المساجد نشاطا ملحوظا، فتعقد دروس التفسير والفقه والحديث، بعد صلاة الظهر والعصر، إلى جانب المحاضرات والندوات الدينية، وصلاة التراويح التي تشهد إقبالا كبيرا من المواطنين.

وترى الفوانيس الرمضانية والأهلة والمصابيح قد زينت بها واجهات المنازل والشوارع والساحات العامة في الأردن في واحدة من التقاليد التي لا تزال تدخل بهجتها على القلوب إلى اليوم، بالإضافة الى الخيم الكثيرة أمام المخابز والتي تزدحم بعشاق القطائف والحلويات الرمضانية، وأكشاك العصائر الرمضانية المنتشرة في الشوارع، جميعها أجواء تدهش الزائر وتدخل الفرحة على قلوب الأردنيين.

المؤرخ الأردني إبراهيم أباظة، وهو في العقد السابع من عمره، يؤكد في حديثه لوكالة الأنباء القطرية "قنا" أنه قبل نحو 70 سنة من الآن شكل التنوع الثقافي أرضا خصبة لتعدد الأعراف والتقاليد الرمضانية في المجتمع الأردني اليوم.. مضيفا أن من بين التقاليد المتوارثة التي غابت عن منازل الأردنيين "صحن الخير" الذي أضحى عادة تقتصر على فئة محدودة من الناس، وهو طبق طعام متنقل يطرق أبواب الأردنيين ويتم تبادله بين الأهل والجيران، بهدف زيادة الألفة والمحبة والتكافل بين الجيران، فضلا عن تنويع الأطباق والخيرات الرمضانية.

بينما لا يزال مدفع رمضان يمثل تقليدا رمضانيا فولكلوريا، وعادة توارثتها الأجيال الأردنية وتحافظ عليها، إذ يتولى أفراد من القوات المسلحة الأردنية يوميا وطيلة الشهر الفضيل مهمة إطلاق مدفع الإفطار من وسط العاصمة عمان، بعدما ورثته من التقاليد والعادات العثمانية القديمة إبان الحكم العثماني للأردن وبلاد الشام، موضحا أنه مع توفر وسائل تكنولوجية حديثة من منبهات وأجهزة خلوية تغني الأجيال عن انتظار سماع مدفع رمضان دفع السلطات الأردنية لوقف إطلاق المدفع لسنوات، حتى أعادت وزارة السياحة وأمانة عمان والقوات المسلحة إحياء تلك العادة العثمانية عام 2019.

وفي هذا السياق يؤكد أباظة أن انتظار مدفع الإفطار في اللحظات الأخيرة من الصيام يشكل بالنسبة للأردنيين لكل واحد منهم ذاكرة لا تنمحي، وأن مع هذه اللحظات المقترنة بالعد التنازلي للمدفع تتداعى حكايات وذكريات الطفولة والأسرة قبل عشرات السنين، وسباق اللحظات الأخيرة مع "الصحن الدوار" بين الجيران في الحي الواحد.

وبدوره أكد المهندس علي الوحش، في العقد السادس من عمره، أنه بدخول أيام الشهر الفضيل تزداد أواصر المحبة والألفة بين أفراد المجتمع الأردني في شهر رمضان المبارك، وأشار إلى أن الأجواء الرمضانية في الأردن ينتظرها المواطنون لتغذية الجانب الروحي من خلال جملة الشعائر الدينية التي ترتبط بالشهر الفضيل، ولتقوية العلاقات الاجتماعية بين العائلات.

وأوضح في حديثه لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، أنه مع دخول الشهر الفضيل تقلص الحكومة الأردنية أوقات الدوام الرسمي بمقدار ساعة ونصف يوميا، ويمارس الناس أعمالهم بشكل طبيعي، ويلاحظ قلة الحركة في الأسواق في الفترة الصباحية أيام رمضان، لكن سرعان ما تبدأ الحركة تنشط وتدب بعد الظهر والعصر، حيث يذهب الناس للتزود ببعض الحاجيات التي لا يمكنهم الاستغناء عنها.

ويضيف أنه مع انتشار المحطات الفضائية وتعدد برامجها وتنوع موادها أخذ كثير من الناس يمضون ليالي هذا الشهر الكريم في متابعة تلك المحطات وما تبثه، الأمر الذي جعل ظاهرة السهر والذهاب إلى النوم في وقت متأخر أمر عادي عند الكثير من الناس، وفيه تجتمع العائلات وتكون أكثر قربا خصوصا مع عودة الغالبية الكبيرة من المغتربين للمملكة لقضاء شهر رمضان وسط الأجواء العائلية.

وفيما يتعلق بالمائدة الرمضانية الأردنية يقول سالم الزعبي، إن الناس يولون عناية خاصة بالمشروبات والمرطبات فتضم موائدهم شراب (العرقسوس) وهو من الأشربة المفضلة للصائمين الأردنيين، وأيضا شراب (قمر الدين) ويصنع من المشمش المجفف حيث يغلى وينقع في الماء الساخن ثم يضاف إليه السكر، وأيضا هناك شراب (التمر هندي) وهو شراب مرغوب ومطلوب في هذا الشهر الكريم.

ولا تخلو المائدة الرمضانية عند أهل الأردن، بحسب الزعبي، من طعام الحساء (الشوربة) وينضم إلى هذه الأطعمة - التي لا تخلو منها المائدة الرمضانية الشامية - أطعمة أخرى تتبع أذواق الناس ورغباتهم، تشكل فيها مادة اللحم عنصرا أساسيا، كالوجبة الرئيسية في الأردن وهي "المنسف" والتي دائما ما يبدأ الأردني أول أيام الشهر بهذه الأكلة الشعبية، وكذلك المقلوبة (الرز والدجاج) و(الملوخية) و(البامية) و(الكبة) وغير ذلك من أسماء الأكلات الأردنية التي لا يفي المقام بذكرها، وتبقى السلطات بأنواعها والخضراوات بأصنافها، لا تخلو منها المائدة الأردنية أثناء تناول طعام الفطور خلال هذا الشهر الكريم.

وللعصائر بالأردن طقوس لم تتغير رغم الحداثة، فمنذ ستينيات القرن الماضي كان الأردنيون في وسط البلد بعمان وفي الأسواق القديمة بالمحافظات، يتزاحمون على ابتياع العصائر التي هي أحد المكونات الرئيسية بالموائد.

وكان الحكواتي أيضا قديما يحتل مكانة مرموقة بين الأهالي ورواد المقاهي في الأردن، ليحكي القصص والحكايات بأسلوبه الخاص، فأصبح من الذكريات، وكان قديما يسرد قصصا وأحداثا تاريخية وشعبية، بهدف تعزيز الروابط الاجتماعية بين الناس، ومع مرور الوقت وتغير العادات والتقاليد انحسر دور الحكواتي في المجتمع الأردني خلال شهر رمضان، وباتت الأنشطة الترفيهية الحديثة مثل مشاهدة التلفزيون والخيم الرمضانية والاستماع للموسيقى أكثر انتشارا وجذبا للاهتمام.

وهناك مجموعة عديدة من الألعاب الشعبية والرمضانية التي كانت متاحة في الماضي لكنها لم تعد موجودة في عصرنا الحالي، من أبرزها لعبة الطواحين التي تعتبر من أشهر الألعاب الشعبية في الأردن ولعبة الساعة ولعبة البحث عن الكنز التي ظلت إلى عهد قريب محافظة على شعبيتها، والفقيعه والخريطة.

ويقول محمد الدويري وهو خمسيني العمر في حديث مشابه لـ "قنا"، إنه في الطفولة، لم تكن هناك مظاهر للاحتفال بشهر رمضان كما اليوم ولم تكن هناك زينة أو غير ذلك وكان رمضان شهرا للعبادة، وكان كبار السن أكثر التزاما بالصيام أما الآن، فأصبح الأطفال يقبلون أيضا على صيام الشهر الكريم.

ويضيف في تلك الأيام، لم تكن هناك ثلاجات في البيوت، ولم تكن الموائد كما اليوم، فقد كانت بسيطة ومتواضعة، عبارة عن بضع حبات من التمر، والطماطم (البندورة)، والرشوف أو العدس، وحتى البيض، وكلها أكلات شعبية بسيطة وغير مكلفة. أما اللحوم، فكانت تعد ثلاث مرات في الشهر، في بدايته ومنتصفه ونهايته.

وأضاف أنه في السابق، وقبل ما يزيد عن عشرين عاما، كانت تجمعنا بيوت الأصدقاء في السهرات الرمضانية. أما اليوم، فالاجتماع يكون في الخيم الرمضانية والمقاهي، ونسهر حتى موعد السحور، سابقا، كان الناس يتبادلون الزيارات للتهنئة بحلول هذا الشهر لكن في ظل التطور التكنولوجي، باتوا يكتفون بالرسائل القصيرة عبر واتساب أو وسائل التواصل الاجتماعي.

وحول العادات الرمضانية في المحافظات الأردنية، الأخرى، أكد أن المظاهر الرمضانية تتماثل في المحافظات الأخرى مع إمكانية الاختلاف في محافظة العقبة الساحلية، حيث تسود وجبتا السمك مع الرز والخضار واللحوم، موضحا أن جو شاطئ البحر المعتدل هناك يسمح للصائمين بعد الإفطار بالتمشي والسمر على الساحل الجميل وتزدحم المساجد بالمصلين وينتشر استهلاك الحلويات خاصة بالساحل مثل الجزرية وهي نوع من الحلوى محشوة بالقلوبات والمكسرات.

وأشار إلى أن من أجمل الطقوس في الأردن كذلك التي ستشاهدها وقت اقتراب الغروب، انتشار المتطوعين على الإشارات الضوئية يحملون زجاجات الماء وعلب التمر، والتي يوزعونها بالمجان على الجميع في حال حلول آذان المغرب قبل وصولهم لبيوتهم في مشهد رائع من التآخي والتكافل الاجتماعي الذي تعكسه أخلاق هذا الشهر الفضيل.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي