هآرتس: ماذا لو تحول الأردن إلى ساحة لـ "محور المقاومة"؟  

2024-04-04

 

إيران لا يمكنها الاعتماد حتى على روسيا (التي سارعت إلى عقد مجلس الأمن بعد تصفية زاهدي) كي تلغي اتفاق التنسيق مع إسرائيل، الذي توجد في إطاره لإسرائيل حرية في سماء سوريا (أ ف ب)قواعد اللعب التي تديرها إسرائيل في الملعب السوري بدأت تتغير منذ كانون الأول، عندما قتل راضي موسوي في قصف نسب لإسرائيل قرب دمشق، وكان موسوي “منسق النشاطات” والمسؤول عن إرساليات السلاح من إيران إلى حزب الله. بعد شهر، في 20 كانون الثاني، قتل مع آخرين أيضاً حجة الله اوميدفار، رئيس المخابرات في “فيلق القدس” في سوريا. لكن الضربة المباشرة للقنصلية الإيرانية في دمشق، التي قتل فيها قائد “فيلق القدس” في سوريا ولبنان الجنرال محمد رضا زاهدي، ونائبه محمد هادي رحيمي، وحسين إمام الله، وهو من المستشارين الإيرانيين الكبار في سوريا وأربعة قادة آخرين، تعتبر تحطيماً لقواعد المواجهة.

هذه الضربة قد تستدعي من إيران رداً مختلفاً عن خطاب التهديدات الذي ميز سياسة طهران حتى الآن. يبدو أن الفرق المهم هذه المرة يكمن في السابقة التي قامت فيها إسرائيل (ربما يمكن التنازل عن الوصف الفارغ “عملية نسبت لإسرائيل”) بمهاجمة مبنى حكومي لإيران وليس قاعدة عسكرية سورية تضم ضباطاً إيرانيين أو منشأة لحزب الله “تستضيف” مستشارين ومدربين إيرانيين.

وهكذا تحطم ما اعتبر “هامش الإنكار” الذي مكن إسرائيل من التنصل، أو على الأقل عدم المصادقة بأنها تقف من وراء الهجوم. لم تعد إيران تختفي وراء الستارة المريحة التي سمحت لها بالقول إن الهجوم جزء من الحرب بين إسرائيل وحزب الله، أو أن إسرائيل هاجمت أهدافاً في سوريا لا صلة لها بها (لذلك، لا يعتبر هذا مساً مباشراً بها، يقتضي منها الرد عليه). ولكن نفس “هامش الإنكار” هذا تم خرقه مرات كثيرة في السابق. إسرائيل هي التي استعرضت قدرتها الاستخبارية عندما عرضت مكتبة الأقراص التي سرقتها من الأرشيف الإيراني، وأن النشاطات المنسوبة لإسرائيل أضرت بشكل مباشر بأهداف في إيران، ومن بينها قتل شخصيات إيرانية رفيعة في إيران. ذروة هذه النشاطات كانت في تشرين الثاني 2020 عند تصفية رئيس المشروع النووي الإيراني محسن فخري زاده في طهران. وفي حينه، اعتبر الهجوم هجوماً غير قواعد اللعب، ولكن إيران، التي وعدت بـ “انتقام شديد”، لم تنجح حتى الآن في رد أضرار تساوي الأضرار التي لحقت بالمشروع النووي، وبالأساس بمكانتها. وحتى الآن لم تثأر لاغتيال قاسم سليماني، الذي قتل بقصف أمريكي في كانون الثاني 2020 أثناء جولة له في بغداد.

يبدو أن رد إيران على تصفية علمائها يجب فحصه بمنظار عسكري. وقد تم التعبير عن ذلك في زيادة نطاق تخصيب اليورانيوم ورفع مستوى التخصيب، ومنع الرقابة الكاملة على المنشآت النووية، وبشكل عام استعراض صارخ لقدراتها التي لم يتوقف تطبيقها، بل ازداد رغم الأضرار التي أصابت المشروع النووي.

السؤال المطروح الآن هو: هل سيفعل اغتيال زاهدي ما لم يفعله اغتيال سليماني؟ أي هل ستتنازل إيران عن قواعد المواجهة التكتيكية التي تتبعها والتي تسمح لها بالحفاظ على مكانتها الاستراتيجية، وتنتقل إلى الهجوم المباشر الذي يضعها أمام إسرائيل، بل وأمام الولايات المتحدة. عملياً، هذا هجوم سيفصلها عن محور المقاومة، الذي تلعب فيه دور المساعد والموجه والمستشار والممول، وستفتح جبهة مستقلة، ستحولها إلى هدف.

هذه معضلة تدركها طهران جيداً. مثلاً، ثمة حوار غير مباشر بين واشنطن وطهران منذ بداية الحرب، ولكنه واضح وتنقل فيه الولايات المتحدة رسائل مهددة لإيران، التي بدورها، كما يبدو حتى الآن، استوعبت هذه الرسائل. بعد التهديد الأمريكي والهجمات على قواعد المليشيات المؤيدة لإيران في العراق، أمرت الأخيرة المليشيات بالتوقف عن مهاجمة الأهداف الأمريكية في العراق وسوريا. لذا، هناك هدوء في هذه الساحة منذ 4 شباط.

بررت إيران هذا التوجيه للمليشيات المؤيدة لها بذريعة أنها لا تريد المس بتقدم المفاوضات بين العراق والولايات المتحدة بخصوص انسحاب جميع القوات الأمريكية من العراق. وكانت هناك أيضاً مفاوضات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة سلطنة عمان، التي ضغطت فيها على إيران من أجل “تهدئة” الحوثيين. هذا الحوار لم يثمر أي نتائج، ويبدو أن أحد أسباب ذلك هو أن إيران لم ترغب في فحص قدرتها على الضغط على الحوثيين الذين لهم جدول أعمال مستقل. حتى الآن، النتيجة الأساسية للحوار الدبلوماسي بين إيران وأمريكا هي طبيعة المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، التي يسير فيها الطرفان على حد السيف، ويمدان فيها حدود ردهما، لكنهما يمتنعان عن الانزلاق إلى حرب شاملة، رغم أن مواجهة كهذه من حيث المستوى والحجم في ظروف أخرى كانت ستحصل على اسم حرب.

في الحقيقة، لإيران قدرة على استخدام مبعوثيها وتحويلهم إلى شركاء كاملين في حربها إذا قررت شن هذه الحرب. في هذا الأسبوع مثلاً، خاف الأردن من البيان الذي أصدره المسؤول العسكري في مليشيا حزب الله – العراق، أبو علي العسكري، الذي جاء فيه بأن قواته مستعدة لتسليح وتدريب 12 ألف مقاتل في الأردن، سيذهبون إلى محاربة إسرائيل. حتى إن العسكري يملك خطة لضرب العلاقة بين الأردن وإسرائيل وفصل الشوارع الرابطة بين الدولتين ومنع نقل البضائع، لأنه “إذا كانت نشاطات المليشيات في العراق تحرج الحكومة العراقية، فيمكننا إيجاد البدائل المناسبة”، حسب تعبير الناطق بلسان المليشيا علي فضل الله.

رئيس الحكومة العراقية يتوقع أن يلتقي الرئيس الأمريكي بعد عشرة أيام تقريباً. وقد سارع إلى الإعلان بأن دولته لن تسمح بمشاركة القوات العراقية في دول أخرى. في الأردن نفسه، الذي يكافح منذ أسبوعين المظاهرات ضد إسرائيل، تم عقد نقاشات عسكرية مستعجلة استعداداً لسيناريو تتحول فيه المملكة إلى ساحة جديدة لـ “محور المقاومة”. أيضاً ازدياد نشاطات الحوثيين في البحر الأحمر يعتبر خياراً، لكن هذا يرتبط باستعدادهم لتحمل ضربات أقسى بكثير مما يتعرضون له من قوات التحالف البحري الذي شكلته الولايات المتحدة.

إن استخدام حزب الله كقوة للرد على تصفية زاهدي ما زال يعتبر التهديد الأكبر الذي يمكن لإيران وضعه. ولكن القيود السياسية والاستراتيجية التي تقيدها في لبنان وترسم حدود المواجهة بين إسرائيل وحزب الله لم تتغير بسبب عملية التصفية. بالأساس، تعمل طهران داخل معادلة استراتيجية ليس لها، خلافاً لإسرائيل، دولة عظمى شريكة تنضم إليها في حالة الحرب، إذا ما هاجمتها القوات الأمريكية.

إيران لا يمكنها الاعتماد حتى على روسيا (التي سارعت إلى عقد مجلس الأمن بعد تصفية زاهدي) كي تلغي اتفاق التنسيق مع إسرائيل، الذي توجد في إطاره لإسرائيل حرية في سماء سوريا. هذه الاعتبارات، يمكن أن تلزم إيران في هذه الأثناء في التمسك برد تكتيكي لا يضعها في محل الاختبار، أو يعرض ذخرها للخطر.

في الوقت نفسه، يجب التساؤل عن الفائدة التي تجنيها إسرائيل من هذه التصفيات الشخصية، التي لم تنجح حتى الآن في أحداث أي تغيير في سياسة إيران، سواء في مجال الذرة أو في ساحة الحرب في سوريا ولبنان. في الحقيقة، قلصت إيران في شباط عدد القادة من المستوى الأعلى والمتوسط الذين يخدمون في سوريا، ولكن لا ينقصها القادة المدربون من ذوي التجربة، الذين يمكنهم في أي لحظة ملء الفراغ الذي تركه القادة الذين قتلوا أو ماتوا بشكل طبيعي. صحيح أن هناك قادة مثل سليماني، الذين يخلق غيابهم فجوة في القيادة ويصعب ملؤها أحياناً، ولا نعرف كيف كانت جبهة لبنان أو العراق ستكون لو ما زال على قيد الحياة. ولكن حقيقة أن وريثه إسماعيل قاآني هو شخص باهت نسبياً وقدرته كقائد واستراتيجي أقل من قدرة سلفه، لا تؤدي إلا إلى تقوية صناع القرار في حرس الثورة الإيراني الذين يخضعون هم أنفسهم لاعتبارات سياسية للزعيم الأعلى علي خامنئي.

 

تسفي برئيل

هآرتس 4/4/2024








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي