هل بنت إسرائيل استراتيجيتها العسكرية لحرب طويلة الأمد وفي أكثر من جبهة؟  

الامة برس-متابعات:
2024-04-07

 

 المستوى السياسي يعرف ثمن الإعداد للحسم في ساحتين: ارتفاع في حجم الجيش وعلى الأقل مضاعفة الميزانية لأن المال لا ينبت على الشجر، وهناك حاجة إلى سلم أولويات (أ ف ب)تل أبيب- مع مرور نصف سنة على الحرب التي لم يكن لها مثيل، واجب أن نتناول بتوسع النجاحات والإخفاقات. لكن لنفهم الأحداث بعمق منذ 7 أكتوبر، يجب التوجه إلى المكان الذي لا أحد يتحدث عنه: الشكل الذي بني به الجيش الإسرائيلي على مدى أكثر من السنوات العشر الأخيرة وكيف اصطدمت هذه المخططات بالجبل الجليدي للواقع، بحيث وجدت إسرائيل نفسها في ورطة استراتيجية.

تجدر الإشارة مسبقاً إلى أن مبنى القوة هو إجراء معقد ومركب، والمسؤول عنه هو المستوى العسكري، ولكن ذلك يأتي وفقاً لسياسة الحكومة ورئيسها، الذين يولون اهتمامهم للأمن القومي.

الفكرة التأسيسية لمبنى القوة هي حروب قصيرة: في الخطط متعددة السنين تقررت فترات زمنية مثالية لبضعة أسابيع. وثمة مبدأ آخر، وهو أن الجيش الإسرائيلي يبني قوته للحسم في ساحة واحدة، في هذه الحالة لبنان، في ضوء التهديد الذين يمثله حزب الله في ظل بناء قدرات دفاعية في الساحات الأخرى، التي تعد غزة واحدة منها.

المستوى السياسي يعرف ثمن الإعداد للحسم في ساحتين: ارتفاع في حجم الجيش وعلى الأقل مضاعفة الميزانية لأن المال لا ينبت على الشجر، وهناك حاجة إلى سلم أولويات.

وعليه، فإن حقيقة خوض إسرائيل أكثر من جبهة منذ أكثر من 180 يوماً، دليل على العقدة. إن المناوشات التي تجري في الشمال وحالة التأهب لثأر إيراني، تضع الجيش في سيناريوهات لم يكن مبنياً لها، لا في حجم القوة البشرية في “النظامي” وفي “الاحتياط” ولا في شكل تنفيذ سياسة “اليوم التالي”.

من جهة أخرى، مرغوب فيه توضيح سياسة “اليوم التالي” ليعرف الجيش الإسرائيلي كيف يستعد لها. أما هذه الفوضى فوقعت دون أن تكون لبنان وسوريا وإيران هي أول من تهاجم إسرائيل، بل منظمة بحجم حماس، التي تعتبر دون حزب الله بعدة أضعاف.

واضح أن الجيش يستعد لتحديث الخطط مع بضع نقاط انطلاق محتمة، مثل نمو عاجل في جملة منظومات متقدمة ومتأخرة وإنتاج ذاتي للذخيرة للامتناع عن التعلق بقوى عظمى صديقة وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا.

رغم كل الزمن المنقضي، ثمة إحساس في أن الدمج بين السبت الأسود، وانعدام الثقة بالقيادة، وكذا امتناع وسائل الإعلام عن عرض الصور القاسية في غزة، يمنع عن الجمهور فهم ما أحدثته إسرائيل هناك وفي مناطق معينة أخرى في لبنان من حيث استخدام السلاح الهجومي والدفاعي: 340 طائرة هبطت في إسرائيل و60 سفينة رست في شواطئها لتوفر القوة الهائلة التي استخدمت، والتي حسب الخبراء لا مثيل لها في التاريخ الحديث. هذا الحجم يدل على احتياجات الجيش الإسرائيلي الهائلة للوسائل.

ورغم ذلك، على الجيش أن يستكمل التحقيقات الشاملة قبل تلقيه شيكاً مفتوحاً ليزيد الوسائل القتالية. مع كل الاحترام للغضب، ينبغي فحص الكميات المجنونة من الذخيرة التي ألقيت في غزة في بداية الحملة، والتي حطمت كل الأرقام القياسية المعروفة بالنسبة لكل يوم قتالي.

لا يزال الجيش يتباهى بالإنجاز الأهم بعد الهزيمة الرهيبة في 7 أكتوبر، ألا وهو القدرات التي أبداها الجيش البري، في ظل تعاون غير مسبوق في نوعيته مع سلاح الجو والاستخبارات، بعد أن صدر أمر بالدخول إلى شمال غزة. لقد دفعت إسرائيل، وتدفع أثمانا أليمة جداً في الحرب، لكن الصورة العامة هي صورة بضع إنجازات لا بأس بها، بالتأكيد مقابل الترددات والمخاوف التي كانت قبل ذلك.

قلة فقط آمنوا بأن الجيش الإسرائيلي سيطور نظرية قتال حديثة حيال تهديد الأنفاق في الزمن الحقيقي. يصر الجيش رغم العدد الهائل من النساء والأطفال الذين قتلوا، على أن القتال تم في ظل أقصى جهد لمنع المس بالأبرياء. وبالفعل، تشير معطياته إلى نتائج مبهرة لكل جيش آخر في العالم.

مثلما في كل مواجهة عسكرية، تفحص هذه الأعداد جهات كهذه أو غيرها. ومهم جداً عدم الاستخفاف بهذا الموضوع. مثلما فهم في قضية قتل متطوعي منظمة المطبخ المركزي العالمي، فإن مثل هذه الأحداث قد تغير اللعبة.

إن المس بقدرات حماس أدى إلى تفكيك أطرها العسكرية، لكن الحقيقة المحبطة هي أن الحسم لم يتحقق بعد، ولا يبدو ذلك. يخيل أن خط الانكسار هو وقف النار الأول الذي تحرر في أثنائه نساء وأطفال تحت الضغط العسكري والأزمة الإنسانية في القطاع. مع استئناف القتال، فوت المستوى السياسي والعسكري فرصة حرجة للعمل في رفح ومخيمات الوسط. كان يمكن العمل أيضاً في خانيونس في وقت مبكر أكثر.

موقف الجيش منطقي: كانت أهمية عسكرية ورمزية للانقضاض على شمال القطاع ومدينة غزة، كمركز سلطوي. وإلقاء أربع فرق في وقت واحد ليس شيئاً اختبره الجيش الإسرائيلي في العقود الأخيرة، وكانت هناك قيمة عظيمة للعملية التي أظهرت لحماس بأن مستشفى الشفاء هو الآخر غير محصن من الهجوم، وأظهرت للجمهور الإسرائيلي بأن جيل المقاتلين الحالي لا يقل عن جيل الـ 1948.

غير أنه تقرر تسريح القوات وأساساً الاحتياط، بدلاً من استغلال الزخم والضغط على كتائب حماس في رفح وفي مخيمات الوسط. في تلك الأيام، لم تكن رفح تتفجر باللاجئين بذات المستوى، وكان الائتمان الدولي أكبر بكثير: كان لا يزال للولايات المتحدة صبر على رئيس الوزراء، بخلاف الوضع الخطير الآن الذي يجعل الدخان يتصاعد من أذني رجال الرئيس بايدن بمجرد ذكر اسم نتنياهو في البيت الأبيض.

في هذا السياق، يصر نتنياهو على أن يكون محقاً، لكن غير حكيم. نهجه تجاه دولة فلسطينية في الضفة وغزة تقبله أغلبية الجمهور في 7 أكتوبر، لكن سلوكه تجاه الإدارة الأمريكية لا يحقق أهدافه التي وضعها بنفسه.

الرجل الذي ألقى خطاب بار ايلان دون أن يقصد كلمة منه، كان يمكنه أن يقول “نعم، لكن” للطلبات الأمريكية، وأن يعتمد على تقاليد فاخرة للرفض الفلسطيني، ثم السماح للجيش بالسعي للحسم في المناطق التي لا يوجد نصر بدون معالجتها.

ما الذي خرج لنا من هذا؟ أصبح الضغط على يحيى السنوار ضغطاً على إسرائيل. زعيم حماس في القطاع يستغل القليل من الاتصالات التي لديه مع العالم الخارجي كي يفرك يديه باستمتاع حين يوبخ بايدن نتنياهو، وكل الدول تنتظر الثأر الإيراني في هذه الأثناء. لا يرى السنوار سبباً يجعله يعقد اتفاقاً إضافياً لتحرير المخطوفين والمخطوفات.

هذا الوضع محبط لرئيسي أركان سابقين، دخلا إلى كابينت الحرب في وضعية بدت كتهديد وجودي، والآن مقيدان بين التردي الزاحف في مكانتيهما وضغط الاحتجاج مقابل الرغبة في تحقيق اتفاق والتصدي للرد الإيراني أيضاً. كل من يعرف شيئاً أو شيئين عن “كابينت الحرب” يفهم بأن مطالبتهما بتركه الآن ليست جدية، وليست مسؤولة في خلفية التهديد الإيراني.

نصل بأسف شديد إلى السطر الأخير؛ أن القيادة كبلت نفسها بوعود متفجرة لا تتيح خطوات زعامية وإبداعية ومستشرفة للمستقبل، لكن ليست شعبوية بالضرورة. الجيش بحاجة إلى إنعاش المقاتلين وتصليح الآليات وتجديد المخزونات، وعلى أي حال، حجم القوات في غزة هو الآن الأدنى منذ بداية الحرب. في مثل هذا الوضع، حين لن تتم العملية في رفح غداً ولا حتى بعد أسبوعين، كان من الصواب الإعلان عن نهاية الحرب والانتقال إلى القتال ومواصلة العمل في المنطقة حيثما ينبغي.

خطوة كهذه كانت ستؤثر على الساحة الشمالية. معقول الافتراض بأن نصر الله كان سيوقف النار أو على الأقل يخفضها دراماتيكياً. ومع أن سكان الشمال ما كانوا سيعودون إلى بيوتهم، لكن ثمة وقت لإعداد الجمهور بشكل أفضل لحرب الحملة في غزة. ومطلوب لهذا الغرض أيضاً ترميم العلاقات مع الأمريكيين الذين كانوا يريدون انتهاء الحرب. من يعتقد أن بإمكانه معالجة التهديد الإيراني دون الأمريكيين، يجدر به أن يشتري ساعة منبه بدلاً من مولد كهرباء وسداسية ماء.

غير أن إنهاء الحرب معناه الإشارة لتقديم الحساب على مجرد نشوبها. كان بود نتنياهو ورئيس الأركان أن يؤجلا هذا الموعد قدر الإمكان. لكن كليهما على علم جيد بساعة الرمل الجماهيرية وهي مسبب للأخطاء، التي ندفع ثمنها أيضاً.

 

يوسي يهوشع

 يديعوت أحرونوت 7/4/2024








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي