الرواية الخضراء… نحو أفق جديد للكتابة الروائية عربيا

2024-04-07

أغلفة روايات عربية (مواقع التواصل)محمد تحريشي*

لعل المقصود بالرواية الخضراء هي النصوص الروائية التي تكتب عن البيئة وضرورة المحافظة عليها، والدعوة إلى العيش المشترك في ظل الاحترام للطبيعة والإنسان، وتقدم صورا عن مقومات التعامل الراقي للبشر لإعادة الحياة للأرض بعيدا عن التلوث بكل أشكاله، وتقوم بذلك بشكل فني يجمع بين الفائدة والمتعة الفنية، وهي تتجاوز المألوف في الفكر وفي القول والفعل.
جاءت هذه الفكرة إلى الوجود بفعل تأثير منظمة السلام الأخضر. وسمح هذا التوجه الفني في الكتابة من تداخل الأدبي والبيئي في الرواية، ومن ثم فنحن مهتمون بالرواية الخضراء في الوطن العربي للوقوف على خصائصها الفنية وقيمها الجمالية، بوصفها تقدم بعدا نوعيا من أبعاد طرائق التعبير وأشكال التصوير، وتسعى أيضا إلى تقديم إضافة نوعية إلى التجربة السردية عند الكتّاب العرب.
إن التوجه الجديد نحو الكتابة عن البيئة في الرواية، قد ينقل الصراع الدرامي إلى آفاق جديدة، ويحوّله وفق هذه النظرة من صراع درامي ضمن ما يعرف بالمقدس والمدنس، إلى صراع آخر يعتمد على التظاهر السلمي للمحافظة على السلام وعلى البيئة، من أجل الأجيال القادمة، ومن أجل العيش الكريم بعيدا عن الاستغلال البشع للذوات وللثروات الطبيعية. هذا التوجه يؤسس لكتابة خضراء ضمن رؤية فنية جديدة، ومع ذلك يبقى الرهان قائما فنّيا وجماليا حول قدرة الأدب عموما، والرواية خصوصا، على تحقيق أدبي، انطلاقا من هذا الصراع النضالي الجديد، في مجابهة الشركات الكبرى، في استغلالها المفرط للثورات دون احترام للبيئة وللإنسان وللحيوان. يقول وليد الرجيب، أحد المهتمين بالأدب البيئي: «والأدب لم يوفر موضوع البيئة، فنتج عن ذلك ما يسمى بـ«الأدب البيئي» حاول كتّابه التحذير من مخاطر التغير البيئي بطرق مختلفة، ولم يكتفِ بعض الأدباء بتصوير الأمر بصورته الواقعية، بل عمدوا إلى كتابته بخيال علمي، يصور مستقبل العالم في ظل الكارثة البيئية المحتومة، مثل حصر المناطق الخضراء، أو المحافظة على بيئة صحية، في جزر معزولة أو ولايات منفصلة، وهو ما يستلزم سياسات طوباوية، لعزلها عن العالم الخارجي الملوث. حاول بعض النقاد العرب، البحث عن أعمال أدبية عربية، يمكن أن تصنف كأدب بيئي، فقد كتب إبراهيم طه عن ثلاثة كتّاب، كتبوا في هذا الاتجاه، مثل الفلسطيني محمد نفاع وإبراهيم الكوني وعبد الرحمن منيف. إن هذه الكتابات يمكن إدراجها ضمن الأدب الملتزم وكذا أدب النضال، وأيضا أدب القيم الإنسانية، لكن الميزة التي تميزه عن هذه الآداب هو السلمية وغياب العنف في الدفاع عن بيئة نظيفة، مقابل مصالح شركات كبرى متعددة الجنسيات، وفي الوقت ذاته الرفع من درجات الوعي لدى المواطنين من المخاطر التي تهدد البيئة، وتربية الذوق الفني والجمالي للقراء أيضا للمحافظة على البيئة.
إن الرواية الخضراء في نظري هي تلك الرواية التي تجعل من البيئة موضوعا سرديا بامتياز، وتنخرط في نضال بيئي فني وجمالي في رسم معالم كتابة أدبية تنهل من رؤية فنية مغايرة تتجاوز بها تقاليد تناول موضوعات الرواية، وتتحرر من المعالجة المألوفة للإنسان في بيئته وفي محيطه، وفق تقاليد الكتابة في الرواية، إن الرواية الخضراء كتابة تؤسس للإيجابي والسلبي في الأفكار والأفعال والأقوال حسب قدرتها على المحافظة على البيئة بنماذج فنية وجمالية، تجعل رحلة النص نحو القارئ ورحلة القارئ نحو النص رحلة منتجة لفعل إمتاعي مميز، وفي الوقت ذاته يجعل الكتابة الروائية تنفتح على آفاق جديدة لم تكن مألوفة في ما سبق من نصوص روائية، ولعل هذا هو التحديث والتجديد في الإبداع.

عالجت نصوص روائية عربية قضية البيئة وما يرتبط بها، ومع ذلك لا نعدها رواية خضراء؛ لأن في نظرنا لم تكن الغاية الجمالية فيها بيئيةً، وإنما تناولت البيئة ضمن الإطار العام، الذي عالجت به موضوع المقدس والمدنس، ولم تخرج عن هذا الإطار العام للكتابة الروائية في أن تكتب رواية خضراء يكون موضوعها البيئة أساسا.

إنّ الحديث عن الرواية الخضراء يجرنا ضرورة إلى الحديث عن الأدبي والبيئي في الرواية، ومن ثم ربط الصلة بين هذا الموضوع وموضوع تداخل الأجناس وتراسل الفنون في الرواية، وما يمدّنا به من أدوات إجرائية لدراسة هذا التداخل بين الأدب والبيئة، في نصوص روائي بعينها ضمن تداخلات أخرى موجودة في هذه الرواية أو تلك. ذهب غاو شينغجيان كاتب وفنان فرنسي من أصل صيني، إلى القول في ملتقى (البيئة والأدب) حيث قدم ورقة بعنوان «الكتابة اليوم» في الخطاب الافتتاحي للمنتدى الدولي لنادي بين طوكيو في 26 سبتمبر/أيلول 2010». إن الأدب في مواجهة البيئة، أو بمعنى آخر هذه العلاقة المزدوجة بين الإنسان والطبيعة، والإنسان والمجتمع، جعلت الإنسان اليوم في وضع حرج للغاية. بدأت مشكلة التلوث المتزايد للبيئة الطبيعية ومشكلة التغير المناخي في الاقتراب بشكل كبير من الإنسانية برمتها. نلاحظ بالفعل أن تدهور البيئة كان منذ وقت طويل واحدا من المواضيع السياسية والإعلامية الرئيسية، لكن لم يكن أحد قادرا بعد على تقديم حلول وتطبيقها بشكل فعال: حتى لو كنا قادرين على الإبطاء من تدهور البيئة الطبيعية للإنسان، هذه البيئة التي تعتمد عليها حياة الإنسان نفسه، فإن سرعة تدمير البيئة العالمية لم تنخفض على الإطلاق».
عالجت نصوص روائية عربية قضية البيئة وما يرتبط بها، ومع ذلك لا نعدها رواية خضراء؛ لأن في نظرنا لم تكن الغاية الجمالية فيها بيئيةً، وإنما تناولت البيئة ضمن الإطار العام، الذي عالجت به موضوع المقدس والمدنس، ولم تخرج عن هذا الإطار العام للكتابة الروائية في أن تكتب رواية خضراء يكون موضوعها البيئة أساسا، وهي إن عرّجت على السياسة أو الدين أو التحول الاجتماعي، فهي تفعل ذلك لتكشف عن تلك القيم الجمالية والسلبية للإنسان، ومن بينها الحفاظ على البيئة والدفاع عنها، ومن ثم كانت البيئة أداة أو وسيلة في هذه الكتابات، تخدم فكرة أعم ضمن الرؤية الفنية للكاتب، ولم تكن البيئة غاية أو هدفا أو ثيمة أو قيمة فنية انطلاقا من رؤية فنية لأهداف منظمة السلام الأخضر. وقد نبّهت كريستين ماركاندييه، الباحثة والأستاذة الجامعية الفرنسية، المتخصصة في دراسات الأدب والبيئة، إلى قضية مهمة إذ قالت: «لا يتعلق الأمر أيضا بإيجاد أي نوع من أشكال العزاء في النصوص أو إعطائها وظيفة مسطحة كوسيلة تنبيه. في الواقع، هذه المواضيع ليست جديدة، فقد استجوبت النصوص الأدبية دائما مكانة البشر وغير البشر في العالم، وصوَّرت قوى الطبيعة، أو التحولات الاجتماعية والبيئية المرتبطة بالصناعة: إنها الوعي بتسارع تأثير الإنسان على الطبيعة الذي يدعونا إلى إعادة قراءة نقدية بيئية للنصوص الأدبية، بينما دخلنا عصر الإنسان الجديد». يدفعنا هذا التوجه إلى إعادة قراءة بعض النصوص الروائية العربية السابقة انطلاقا من هذا التوجه.
إن الحديث عن الرواية الخضراء في قطر، على سبيل المثال لا الحصر، يقتضي القيام بعملية استقراء لكل الروايات القطرية، والتمييز بين تلك التي تناولت الموضوع بطريقة مركزية، وتلك التي كان فيه موضوع البيئة جزئية ضمن جزئيات سردية أخرى، وبين تلك النصوص التي لم تهتم بالموضوع أصلا، ولم يكن موضوع البيئة ضمن اهتماماتها واختياراتها الفنية، وضمن استراتيجية الكتابة ومقصدية الكاتب وأفق انتظار المتلقي. إن قراءة في عناوين بعض الروايات الصادرة، تكشف عن حضور هذا الإحساس بالبيئة والطبيعة في هذه العناوين، وانطلاقا من دراسة العتبات، فإن هذه العناوين تحيل بطريقة أو بأخرى إلى هذا الحضور الفني والجمالي للبيئة؛ فمن بين العناوين يمكن أن نذكر على سبيل الشاهد لا على سبيل الحصر: «أحلام البحر القديمة» لشعاع خليفة. «أشجار البراري البعيدة، ودنيانا… مهرجان الأيام والليالي» لدلال خليفة. «القنبلة» لأحمد عبد الملك. «تداعي الفصول (سارة وسلطان)» مريم آل سعد. «زبد الطين» لجمال فايز. «الظل والضوء» لشمة شاهين الكواري.

*كاتب جزائري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي