«بغداد 91»… مذكرات صبي في عاصفة الصحراء

2024-04-14

رامي فارس الهركي

لا تزال آثار أحداث حرب عاصفة الصحراء، التي شنتها الولايات المتحدة ضد العراق عام 1991 نتيجة اجتياحه للكويت، تتردد على الذاكرة العراقية، فهذه الحرب العبثية من كلا الطرفين، أدخلت العراق والشعب في نفق مظلم لا نهاية له وما تلاها من سنوات عجاف نتيجة الحصار الاقتصادي، وتردي الواقع المعيشي كان نتيجة طبيعية لما آلت إليه أمور البلاد والعباد بعد هذه الحرب.

«بغداد 91» رواية عراقية جديدة صدرت مؤخرا عن دار منشورات وتر في البصرة، وكان لها حضور واسع في معرض بغداد الدولي، للكاتب العراقي والمقيم في باريس منذر المدفعي. الرواية عبارة عن دفتر مذكرات كان يحتفظ به الكاتب عندما كان في سن 12 عاما دوّن من خلاله جميع الظروف والتحولات التي أحاطت بالأسرة والمجتمع العراقي نتيجة الحرب.

ما الذي دعاك إلى أعادة‌ كتابة‌ مذكراتك بعد كل هذه الأعوام الطویلة‌؟

بغداد 91 هي الرواية التي شعرت لوهلة بأنها فرضت وجودها عليّ حتى قبل أن أكتب صفحاتها. لأنني بدأت بتدوين تفاصيلها كمذكرات يومية منذ عام 1991 كما هو واضح في العنوان. ولا أعتقد بأنني تأخرت فعلا في تقديم هذا العمل، فالرواية هي عنصر أدبي قابل للعودة في الزمن إلى الوراء، وربما هذا هو سر قوتها. فعندما تغيب بعض الأحداث عن الذاكرة تأتي رواية ما فتحيي الماضي البعيد كأنه يوم أمس أو أقرب من ذلك.

هل تركت ذكريات عاصفة الصحراء أثرها على منذر المدفعي؟

عاصفة الصحراء هي المحطة التي تركت بصمة ثقيلة على كل من عاصرها، ولا يمكن لأي من العراقيين أن يدعي بأن تلك الفترة غابت في طي النسيان، كما يحدث مع الأيام الروتينية. فعاصفة الصحراء هي محطة لا مثيل لها في الذاكرة الجماعية العراقية. ولكل منّا حكايته في تلك الفترة، وأنا واحد منهم؛ وأقر بأن حرب عام 91 تركت أثرا عميقا في داخلي، ولا أظنه سيزول في يوم ما، فقد أصبح كالنقش على الحجر. وهذا يبرز بوضوح في صفحات رواية «بغداد 91».

التوثيق ضروري لجميع أجناس الرواية أم هنالك حالات معينة؟

التوثيق ضرورة قصوى للكاتب، ولا أعتبره مجرد رغبة وإنما هو من صميم واجبات المؤلف. فالرواية هي مرآة المجتمع ويجب أن تكون وفية لتاريخ المجتمع الذي تدور فيه أحداث الرواية. أما التوثيق في هذه الرواية فهو ليس بالتوثيق التاريخي بقدر ما هو توثيق إنساني. فهذا العمل الذي يسرده طفل في الثانية عشرة من العمر يرينا حالة الخوف والقلق التي يعيشها الأطفال في زمن الحروب. فأغلب رواياتنا التي تتحدث عن الحروب، يتم سردها على لسان بالغين، لكن في هذا العمل نجد أن السارد طفل صغير، وبالتالي هنالك تدفق للمشاعر الإنسانية البريئة. وربما هذا هو سر قوة الرواية، التوثيق على لسان الأطفال.

هل يعيش منذر المدفعي أحيانا حالة من النوستالجيا؟

أشعر بالنوستالجيا لبعض اللحظات الجميلة، لكنني لست ذلك الشخص الذي ينظر كثيرا إلى الخلف وينسى الاهتمام باللحظة الحاضرة، ما يشغلني أكثر هو الحاضر الذي أعيشه، فهو اللحظة الحقيقية بين اليدين، فالماضي انتهى ولا حيلة لنا بشأنه، أما المستقبل فيبدو لي كخيال ضبابي لا يمكننا تكهنه، لهذا السبب أنظر إلى الحاضر أكثر من مسألة الحنين إلى الماضي.

مطلع قصيدة شعبية للشاعر العراقي الراحل مظفر النواب يقول فيها «مو حزن لكن حزين» لماذا أنت حزين؟

ربما هو الحزن الذي أشترك به مع أبناء بلدي كافة، فالحزن في العراق هو جزء من الهوية ومن الذاكرة الجماعية وحتى من الثقافة الاجتماعية. فلدينا الكثير من المناسبات الحزينة التي نحييها سنويا، ولا أرى ما يعادلها من المناسبات السعيدة! لديّ بعض الذكريات الحزينة، لكن ليس بالمستوى الذي يجعلني أوصف بالإنسان الحزين. وربما أغلب معارفي ينظرون إليّ كشخص متفائل.

كيف تجد بغداد اليوم بعد مسلسل المآسي الذي بدأت حلقاته عام 1991؟

حينما أقرأ قصيدة سفر التكوين للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد أجدها تقدم أروع وصف للعراق، شاخ الزمان جميعا والعراق صبي. لا أنكر الواقع المرير ولا أرغب بالوقوع في فخ الشعارات الزائفة، إلا أن التاريخ يروي بوضوح تواتر المآسي التي طالت العراق عبر الزمان، ثم عاد ليبرأ من جروحه وينهض من جديد، مستعيدا شبابه وألقه. مرّ العراق خلال الأعوام الأخيرة بالكثير من المآسي والنكبات، لكنه بدأ خلال الأعوام الأخيرة يتعافى، وها هو من جديد يستقطب الكثير من دول العالم في تنظيم الأحداث والفعاليات الرياضية والفنية. وهذا من بين ملامح العودة للحياة بعد فترة طويلة من الركود والانعزال. وأرجو ألا تكون المأساة المقبلة بفي موعد قريب.

الإنسان نعمة أم نقمة أحيانا؟

وصف جان بول سارتر الإنسان في مسرحية جلسة مغلقة بأن «الجحيم هم الآخرون» عبارة صادقة إلى حد ما، فمعظم الآلام والكلمات الجارحة تأتي من المجتمع المحيط بالإنسان. إلا أن هذا ليس بمبرر للعزلة واختيار الحياة الفردية. فنحن كائنات اجتماعية لا تحيا بمفردها، ولا تعيش معزولة. وبصفتي روائي أجد نفسي ملزما بالاقتراب جهد إمكاني من الغير، فهذا يساعدني كثيرا في اكتشاف الشخصيات والطباع والميول، وهو أمر ينفعني كثيرا في صياغة الشخصيات التي تبدو للقارئ حقيقية وكأنها موجودة بيننا بالفعل. الإنسان والمجتمع هو مادتي الأساسية في الرواية وبالتالي لا أسمح لنفسي باعتباره نقمة.

والنسيان؟

النسيان هو حالة حتمية نمر بها في لحظة ما، نحيا غالبا مع ذكريات جميلة تارة ومؤلمة تارة أخرى، لكن يبقى النسيان هو الآفة التي تبتلع الماضي. وأقر بأنني أعاني غالبا من النسيان ومع ذلك لا أنظر إليه كنقمة.

كاتب وصحافي عراقي








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي