إلى أين يأخذ الجنود الفتى النحيل؟

2024-04-23

عاشور الطويبي

لا تقِف هناك، فقط اتبع حدسك القديم.

هل جلبتَ حصانك؟

قريباً يصلُ إلى ربوة الزيتون.

هل تتذكّر الآن مَن سرق بيتك؟

أهذا هو، الطائر الذي يتبعك أبداً؟

لا تخف، دعه يحلّق ما شاء له،

سيعود إلى مكانه فوق الكثيب!

تنهض دقّاقات الأبواب من سباتها.

تمضي إلى زقاقٍ لاطمٍ،

تسحب من نافذة العجوز، نسّاجة الحكايات،

شالَ عرسها والضحكة التي خبّأتها

في مزهرية الغياب.

ها أنت ذا تسمع دقّات الدفوف.

قف وأنصتْ.

العالم مات.

تمشي وحيداً في شارع الخيبات.

لست الأوّل

ولن تكون الأخير.

نوافذُ تُفتحُ،

أبوابٌ يزورها المرابون وسعاة البريد.

مدّ يدك،

اقطف رمّانة الجارة الخجول.

تأتي الخيول من السهول البعيدة،

عطشانة.

لك أن تشاهدها تقطع الساحات

والميادين،

تنثرُ أحزان الرعاة.

تركض والشمس تلمع على

أعرافها.

خبب،

خبب،

خبب.

الصحراء خلفك

وأمامك.

خبب،

خبب...

صانع الكراسي،

يجمع الظلال ونشارة الخشب،

يضعها في حفرة عميقة في جدار الليل.

حين يثمل وحيداً،

تأتيه الأغاني القديمة،

عارياً يرقص.

النهار ما يزال بعيداً،

وقلبه الشجيّ ثقيلٌ، ثقيل!

كيف استطعتَ

أنْ تطوي السماء ولا تبتلّ بالدم؟!

"لقد رأيتُ البحر في بحّة صوتها"، قلتَ. 

كان عازف الترمبيت نائماً،

وساقية البار ترفع في يدها مشطاً أحمر. 

"ما أطول الليل في حانة الزيتون"، قال بحّار عجوز. 

امتلأ الشارعُ بالبشر.

امتلأتْ السماءُ بالألم.

عرباتُ الجنود الكبيرة، ثقيلة مثل الموت.

لا تدع أحداً يخدعك،

اليوم ليس وقتاً للرقص،

ولا لصيد الأرانب البرّية.

لك أن تختار بين قتيل في كفّه رغيف خبز،

وقتيلة في حضنها حجر.

لك أيضاً أن تختار قبراً بلا شاهدة،

أو قبراً بين شجرتين في دوّار يحترق.

أمْ لعلّك تريد موتاً ناقصاً

في زنزانة، أو حانة، أو

تحت راية نبي؟!

فقط الموت الكامل تذكرتك إلى الأبدية. 

هل أتيتم جميعكم إلى النهر؟

الفجر الخائف يلتفتُ وراءه.

لعلّه يرى عريكم، اهتزاز الأغصان الطويلة

في أيديكم!

هل أتيتم جميعكم إلى الجبل؟

النهار في منتصفه، والقمر شاحب.

لا تتوقّفوا، فقط اتبعوا رائحة خبز ينضج

في تنّور.

هل أتيتم جميعكم إلى الصحراء؟

الكثبان نائمة، والحجارة تقودُ التائهين،

إلى بحرٍ وزبدِ بحر.

لا تجلسوا في ظلّ شجرة طلح،

إنّه مسحور.

نافذة السيارة مقفلة،

موسيقى الجاز في خفّتها، ثقلها، شجنها، وضحكاتها،

تملأ روحك، في هذا الليل، وهذه الوحشة.

إلى أين ينتهي الطريق؟

لا يهم!

أصوات حزينة، تقترب وتبتعد.

هذه أصوات روح مشقوقة.

لا تخف!

إلى أين يأخذ الجنود الفتى النحيل؟

إلى زنزانة رطبة وعتمة شديدة.

ما الذي فعله الفتى النحيل؟

سرق استدارة التفّاح وعجينة الخبز.

يا لهفي على فتى نحيلٍ بهيّ!

ماذا يسيلُ بين سبّابتَي عازف الكونترباص؟

ماء مدن وبلدات جائعة،

دخان أشجار تشتعل،

خوف سلاحف،

وغناء موتى قبالة بحر.

وراءك تتساقط النيران. تمضي إلى برّية وخلاء.

الوحشة بيتك الآن.

الوحشة منديل الصبيّة التي تنزف الآن.

أمامك تسقط النيران. لا مكان تمضي إليه،

سوى موت بلا قبر.

خفيفة يدُ ناقرة الدفّ.

ثقيلة كلمات الأغنية.

دُمْ، دُمْ، دُمْ، تُمْ.

مصباح الغرفة يترنحُ سكران.

لقد سقطت الكلمة من فم المغنّي،

الكلمة الأخيرة وهو يرفع قبضته عالياً.

لقد سقط المغنّي،

في حانة معتمة،

في مدينة معتمة،

في بلادٍ معتمة،

في كوكب معتم.

سقطَ وهو يرفع قبضته عالياً.

مَن أكل الشمس؟

مَن أطلق الريح من سجن الليل؟

العبادُ الصالحون!

شاعر من ليبيا








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي