أصيص الورد في كتاب المجزرة

2023-12-28

فلسطيني يقبّل جثمان أحد أفراد عائلته الذي قتل في غارة اسرائيلية على خان يونس بجنوب قطاع غزة، في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 (ا ف ب)

أكرم قطريب

غزّة على التلفزيون

ما أجمل المغيب الذي يبدو مثلَ قشرة الطِّلاء في سقف البيت.

المدينة بأكملها تنام على عتبته.

يطلعُ البحّارة من كتب التاريخ

وعلى أكتافهم سلال السمك الذي يسمّونه هناك "غراب البحر".

القنابل الفسفورية فقط تعيد اختراع شكل الألم.

لا حاجة للكهرباء،

الجسد الذي يتفتّتُ يضيءُ لوحده.

الجسد يطيرُ لوحده حتّى وهو بلا جناحين.

الجسد تحت السقف الإسمنتي لا يتنفّس بالطريقة ذاتها،

التي تتنفّس بها الأشجار.

الجسد النائم وفي نظرته بعض الأسى،

رأوه يمشي مثل حصان معدني.

والأطفال معلّقون على سياج الأسلاك مثل المصابيح،

لم يجدوا الوقت الكافي للاستحمام بمياه الزمن مرّتين،

ولا حتّى العودة إلى الحالة الطبيعية،

كأشخاص يتوجّب أن يكونوا ميّتين.

ظلّوا هناك يبتسمون إلى الأبد،

بعد أن أخلوا المكان الذي عاشوا فيه بقدر ضئيل-

مجرّد مكان،

يحتضنونه الآن مثل وسادة عليها بقعة دم.

■ ■ ■

الشوارع الخطرة

الألم حيلة

نرفعه على كتف واحدة.

ولا أحد يستطيع أن يُوقف هذه الحرب.

ألمسُ شفتيكِ فيتجمّد الدم في عروقي

وفجأة أتذكّر الشوارع الخطرة في المدن

التي انمحت عن بكرة أبيها.

أنا الرجل الذي سيعود إلى الحياة،

ويحملُكِ بين ذراعيه،

دون أن يتعب على خشبة المسرح.

■ ■ ■

قصيدة البيت

أحبُّ كلمة "البيت"،

منذ زمان لم أعثر عليه،

ذلك الذي كنتُ أرسمهُ على دفتر الجغرافيا

مع نهر صغير.

■ ■ ■

مخطوط الأسى

ظهركَ لناحية المكان الذي حفظناهُ

وخبَّأناهُ في قُدورٍ قديمة،

ثم دحرجناهُ على الحصى.

كيف بدأ كلّ شيءٍ؟

بضعة منازل على وجه الأرض

وقرى صغيرة على أطراف المجرّة.

تبعاً للأساطير:

منذ ذلك الزمن،

من المنحدر الذي هوت عليه المياه،

من الجبل الذي هو الكون في كتاب،

من النيازك التي سقطت في البحر الميت،

من الألم الذي نراه في أفلام الأبيض والأسود.

بذرة كلّ هذا الوجود

تلك الشجرة الوحيدة التي أمام البيت.

■ ■ ■

أصوات

أصواتٌ تأتي من النافذة على مهل.

أصوات تأتي من خشب الباب،

من الماء،

من لحم الهواء،

من الساعة التي على الحائط.

مثل أفريقيا التي تزأر في الليل.

مثل الغزلان التي تتفسّخ تحت عين النسر.

مثل العُري الذي يتركه أنين الخشب.

مثل قفل الباب الذي يرى كلّ شيء.

مثل المفتاح الذي في يدكِ.

مثل الطوفان الذي يترك وراءه الوحل.

يغرق كلُّ شيء فيكِ،

ويبقى البيتُ مثل عربات الغجر

على ظهر الجبل.

*

الأصوات تذهب بعيداً وتختبئ تحت الحصى:

العشبُ الميّتُ في الوديان يصيرُ فجرَ الأرض.

*

من ينقذكِ من الحنين وآلام التاريخ؟

■ ■ ■

لا شيء آخر

عائلة تضحك لرغيف الخبز في الفجر،

كما لو أنّه ضيف آتٍ من كوكب بعيد،

وهو فقط على شكل دائرة

أو قلب مفتوح.

■ ■ ■

العشاء الأخير

هل ستبتسم لمن يهمُّ بقتلكَ،

وتدعوه إلى العشاء مع الأهل والأصحاب،

وتعطيه معطفك كي يتغطّى تحت النجوم،

وأساور زوجتكَ كي يفرح،

وأكياس الطحين كي يصير بينكما خبزٌ وملح

وعلبة سجائركَ كي يطفئها في ظهور أبنائكَ

وهم يدخلون في المرايا واحداً واحداً؟!

■ ■ ■

مثل عين الغزال

من أين يأتي كلّ هذا الألم فجأة؟

الفقد ابن كلب.

رميتُ التراب على صديقي الذي ذهب نهارَ الأحد

إلى الحديقة الخلفية لبيته ونام في جذع شجرة.

كلمة الموت صافية يا الله

مثل عين الغزال.

*

في وجههِ تلمحُ قاعَ الأنهار

وغرقى من أيام الطفولة.

■ ■ ■

النبتة المقدّسة

الحرية،

تلك النبتة المقدّسة-

الأقدم على وجه الأرض،

الزعيمة الراديكالية،

تسكنُ وحيدة في جبال البنغال.

■ ■ ■

هيا نذهبُ إلى بيت يوحنا المعمدان

هل نستطيعُ الدفاعَ عنكِ أيتها البلاد؟

وتنظرين إليّ فقط،

لذلك سمّوا النظرة حبلَ نجاة.

الذين يختلطُ دمُهُم بهواء البيوت

بينما يأخذُ الشِّعرُ شكلَ طيرٍ أبيضَ.

أن أتحدّثَ عن اسمكِ كحكاية قديمة في الإلياذة،

وتحت جلدكِ وحجارتكِ يَنَمنَ نساءُ الأرض ومعهنَّ زيت الزيتون

الذي يتركنه على حافة جسمكِ، كي يأتي الجائعُ يسألُ عن ابنته

التي تنامُ مثل أصيص الورد في كتاب المجزرة.

يصيرُ جسمُكِ أيضاً شكلَ الأرض عند الغروب،

ويضحكُ الأطفال، الذين يمشون بمحاذاة البحر الذي في المخيّلة، لدبّابة الميركافا،

وهم يعرفون أنّها ليست عربة تفاحٍ أو صورة من فيلم،

تحترقُ بكلّ بساطة مثل شعلة الأولمب.

والرجل الذي يحمل أشلاء أبنائه في كيس بلاستيكي

بقي تمثاله هناك مع حركة الوجه ذاتها، وهو يقول:

هيّا نذهبُ إلى دمشق،

هيّا إلى بيت يوحنا المعمدان!

شاعر سوري مقيم في الولايات المتحدة








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي