غزّة.. خيالٌ يعتذر

2024-01-17

أطفال غزة يعانون الويل من جراء القصف الاسرائيلي الوحشي (الأناضول)

عاطف الشاعر

يُجهّزون لأعراسهم

من يموتون الآن

في بلادي

مع شمسٍ تداعبُ وجوههم

وفضاء مفعم بالحلمِ معهم

من يموتون

برصاص "إسرائيل"

ويموتون بوعود "إسرائيل"

يموتون في زحمة الطرقات

وفي الأنفاق

يموتون

وهُم يجهّزون لأعراسهم

وهُم يدفعون فواتير الزمن

يموتون دون مرايا

ويسلكون طرقاً لا تخجل من ضِيقها

من يموتون الآن

من شباب بلادي

بلا شكّ

يُخبّئون في أجسادهم

شرارات الكون الأسطع!

■ ■ ■

غزّة

يقتلعني الظلُّ

ولا أشبهه

تراودني أشباحُ الكون

من ولائم الموتى

خيالي يعتذر أمام الله والمعنى

يعتذرُ لعيون أطفال غزّة

وأجسادهم تلتحمُ بالأنقاض

وبرد الشتاء في الأصابع

ورعشةُ الأفق الأصمّ

هشاشةُ كلّ شيء بين الأضلع

وتماسك الأرض

مأساةُ الدم

تراودني

من ولائم الموتى

وخراب البيوت

علقمٌ طعم القصائد

وحتى الصدى عذاب

أقترب من دمي فيصدّني عنّي

أساير كلامي فيلفظني ظنّي

والمعنى، يا الله،

ما المعنى إن لم يكن حياة؟

يتكدسُ الموتُ على ظهري

كأمواج الكراهية

أرمي نفسي خلفَ نفسي

أمشي في مظاهرة

أقول سيعود البشر إلى رشدهم

تقضم الدموع أفكاري

وأسيرُ

سيرَ القابعِ في تيهِ اليأس

أَعِنّي على الحياة

على مساكن المعاني فيها

وألهم من ألهم بها

الصبر

والنسيان...

■ ■ ■

تسلّل إلى البحر

كأنّنا لم ندرِ ما نعرف

ولم نكنْ نسمعُ ما ألفت أصواتنا

نتوهُ في الصمتِ، والصمتُ واحةٌ كبيرة،

هل ألفنا الضوء يوماً؟ صار نهجاً لغيرنا فاتبعناه.

نحنُ حجارةٌ تمشي على الأرضِ، ملقاة عليها،

والنجوم قبسٌ من كلامنا، كلامنا الأسى علينا،

ونحنُ نغيب في أنفسنا، وتحضرُ فينا الأماني،

هل مرّ علينا وداعٌ كانَ فينا منذ الأزل؟

وعينا لا يبدأُ القول، ولا يكمله،

مَنْ منا حلَّ بنا علينا؟

لمْ يكنْ للشعرِ أصل ولا فصل

لكنّها الأيام، مرايا وتزول.

أكتبُ الليلَ علّه يبرقُ ثمَ يشفى

أطلعُ النهارَ، أتسلّقه، أتملّك الطرق.

جوفُ الأشياءِ من نظرةٍ وطئتْ عليها

واستوطنَ القادمُون من بعيد

في بواطننا

وسما الماءُ

كم سيهيمُ ما بنا فينا؟

هل تَحدّنا الحدود؟

تجاوزنا ما قلنا لئلّا نتصحّرَ

وتجاوزتنا أنفسنا حين ألفناها.

أيها القمرُ المستنير في أحزاننا

تسلّل إلى البحر، أنتَ ذاكرةُ المواعيد،

وشهدُ أسرارنا.

■ ■ ■

حلمٌ هي الصلاة

سئمتُ الانتظار

الطرقات مزدحمة

والجوّ حار.

سئمتُ ما لا يعني شيئاً

وقوفاً على الظلّ

لعلّه يبقى

ابتغاء وجه الأشجار.

ما المعنى؟

يا ربّ

هذا الفضاءُ المتردّد على القلب

هل يكفي؟

هل تتجاوزنا أحلامنا

هل تمتلئ بنا

فلا نطفو أبعدَ منّا.

بعدٌ هو الوقت

وحلمٌ هي الصلاة.

شاعر وأكاديمي فلسطيني مقيم في لندن








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي