غزة 23

2024-01-24

جبار ياسين

لا تكترثْ للموتِ

فهو خلفُكَ

واذكر أباك الذي شبَّ على الرَّحيلِ

ومخاضَ أُمِّكَ في الطَّريق .

ربما جدُّكَ مَن وعدَ بالموتِ او بالنَّصر

او الأثنين معا ؟

ألم يقل: ليس بعد الموتِ موتٌ ،

لاشيء ،إلا انتصارُ الحياة

وسقوط العروش

وموت الطغاة مشردين

وموسم الزيتون في أوج الخريف؟

لا تنتظر أخبارَ برجِكَ في جريدة..

العذراء، القوس أم الأسد!

برجُكَ أعلى من البروج جميعاً

وإن سقطت بروج الطُّوب في غزة

وإن عادَ الرُّكام

وازدحم الزُّحام

وطار اليمام

وسارت دماء أطفالِكَ حتى البحر

فالبحر لك، مقبرةٌ أو خلود

وانت تحمل موتك في خلودك

وأنتَ مِنَ الحياة إلى الممات

ومِنَ الممات إلى الحياة

إلى الأبد..

وأنتَ مِنَ الجليلِ إلى الخليل

ومِن يافا لعسقلان

حتى قلب غزّة

ترسم خارطة المستحيل

نخلٌ وسروٌ وصفصاف

شمسٌ وبحرٌ وابدية

وأنتَ المستحيل على الفناء

وأنتَ المساءُ يعقبُهُ الغِناء

وأنتَ مِن طوفانٍ إلى طوفان

ومِن دمٍ لغصنِ زيتون بمنقارِ حمامة

تعقبُهُ اسطورةُ العهدِ الجديد.

لا تكترثْ للمنائرِ والقباب

وأبراجِ الكنائسِ والمعابد

وإن كانت مِن ذهبْ

فالتِّبرُ ليس أكثر مِن تُراب

وترابُ أرضِكَ أغلى مِنَ التِّبرِ

ومِن حجرِ السَّماء

إليكَ تحجُّ نسائمَ المتوسط في اللَّيالي

والهداهد في رابعةِ النَّهار

دعهم يهدهدونَ اللَّيالي

يتنقَّلونَ مِن الكلامِ إلى الكلام

ويحشونَ الموائدَ بالسَّلام

دعهم يستنبطونَ تاريخاً مِنَ المساندِ والصِّحاح

والكلامِ الرَّثِّ وغائط الأبقار

مختلطاً بريش النَّعَامِ

دعهم لبيداء بلا خيل ولا ليل

وأنت تحمل بندقية

تركض مِن ركامٍ نحو آخر

تطارد المعنى

لتمضي الى قلب المعاني

وتصنعَ معجزةَ الكلامِ..

لا تكترثْ لضجةِ المذياع

لا ليل في غزة بعد اليوم

هذي الشُّموعُ جميعها تصعد إلى السَّماء

طفلاً فطفلاً

وامرأة إثر أُخرى

ومقاتلونَ لم يبلغوا العشرين بعد

وقطةَ البيتِ

كأنَّ بعضاً مِن الفردوسِ حطَّ هنا

فأنار الثَّقلينِ

بعد قيامةِ الأطفال

بعد الريح وعصف الغبار المعدني.

جاء الحديد الى الحجر في مبارزة الحداثة

صدأ الحديد “ بالياسين “ وبقي الحجر

يوم على يوم

منذ الف عام نبت الشجر

ومد جذوره

وعاش البشر في كرم سالم

في جنين ، في اريحا ، الناصرة

وخبت خيول ومشت نوق الخيزلى

ومرَّ تيمورلنك والمماليك وبني عثمان

والانكليز وأحفاد يوشع بن نون

وأنت هنا

تاج مِنَ الشَّوكِ على الرَّأس

في عرسٍ طويل

صعودٌ نزول، كما الأقدار

لكنَّ نجمتَكَ البعيدةُ تقتربُ

تضيءُ الأرضَ مِنَ النَّهر إلى البحر

فلا تكترث.

الموت خلفك منذ عصر هوميروس

وأنتَ هنا وهناك عما قريب

ايها الفلسطيني الذي عذبه طول الطريق

و قلة الزاد

وشعثاء السفر.

شاعر عراقي








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي