هآرتس: ما مدى انسجام واشنطن مع تل أبيب في الربط بين "المخطوفين" واجتياح رفح؟  

2024-03-21

 

رئيس حماس يحيى السنوار (ا ف ب)قرار رئيس الحكومة نتنياهو إرسال بعثة إلى واشنطن لطرح خطة عمل الجيش الإسرائيلي في رفح على الإدارة الأمريكية، يعكس الوضع الحقيقي في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة قبل منتصف الشهر السادس للحرب. نتنياهو يهدد يومياً باقتحام عسكري قريب لرفح، ويعد الجمهور بانتصار مطلق على حماس ويتفاخر باستقلالية إسرائيل في اتخاذ القرارات رغم التوتر مع الرئيس الأمريكي بايدن. ولكن عملياً، فكرة دفاع إسرائيل عن نفسها ذاتياً دائماً (مع القليل من المساعدة من الأصدقاء) هي محل تساؤل كبير منذ الهجوم الإرهابي في 7 تشرين الأول. يقوم بايدن مؤخراً بتحدي نتنياهو من كل الجهات بقرار إنزال المساعدات جواً إلى غزة وإقامة رصيف بحري على شاطئها وبإبطاء معين تتقدم فيه وتيرة تزويد السلاح من الولايات المتحدة لإسرائيل وبالمعارضة الأمريكية المتزايدة والأكثر علنية للعملية في رفح.

في البداية، أرسل رسالته عبر الوزير بني غانتس، الذي زار واشنطن في بداية الشهر الحالي: لن تسمح الإدارة بدخول إسرائيل إلى رفح في شهر رمضان. هذا لم يزعج نتنياهو في الإعلان عن اقتحام قريب متوقع، في كل مناسبة منذ ذلك الحين. لكن وللحقيقة، إن الاستعداد يجري ببطء (رغم أن الخطة العملية عرضت على رئيس الحكومة). وفي المحادثة الهاتفية بين بايدن ونتنياهو في بداية الأسبوع، طلب الرئيس إرسال بعثة إسرائيلية إلى واشنطن لمناقشة العملية المخطط لها. قرر رئيس الحكومة إرسال الوزير رون ديرمر، ورئيس هيئة الأمن القومي تساحي هنغبي في الأسبوع القادم. لم يعرف رؤساء أجهزة الأمن عن ذلك إلا من بيان البيت الأبيض. نتنياهو نسي إخبارهم بذلك.

التغيير الأساسي في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إسرائيل حدث في نهاية شباط، عقب الحادثة التي قتل فيها أكثر من 100 فلسطيني خلال وصول قافلة مساعدات إلى مدينة غزة. الرئيس، الذي أظهر حتى ذلك الحين قدرة تحمل كبيرة، فقد الصبر مرة واحدة. ومنذ ذلك الحين، تصدر بشائر سيئة وإهانة من الولايات المتحدة بوتيرة يومية. لكن التعبير الأبرز أعطي في واشنطن وليس في غزة، بإعلان رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر قبل أسبوع، حين وصف نتنياهو بأنه عقبة أمام السلام وطلب إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل، فكان أن وصف بايدن أقوال شومر بـ “الخطاب الجيد”. المعنى العملي لهذه الخطوة والتصريحات الأخيرة أن الولايات المتحدة منحت نفسها صلاحيات متزايدة عن أمن إسرائيل، مع التصميم على نوع من حق الفيتو على خطوات الجيش الإسرائيلي. ودلائل ذلك شوهدت بداية الحرب في خطاب الرئيس الذي حذر فيه إيران وإسرائيل من فتح جبهة بينهما بمشاركة حزب الله، وفي لقاءات متواترة أجرتها شخصيات رفيعة في الإدارة الأمريكية مع مجلس الحرب الإسرائيلي، التي جرت فيها نقاشات مفصلة لخطط عملية. منذ ذلك الحين، ازداد اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة إلى مستوى مقلق.

تصريحات أمريكا والاتحاد الأوروبي ضد العملية في رفح تقلص مجال احتمالات إسرائيل. وقد يحاول نتنياهو التعلق بالصعوبات التي وضعها بايدن (كالعادة أيضاً بالجنرالات واليسار) ليبرر تباطؤ العملية في رفح. لولا الرغبة في المضي بصفقة تبادل لأعادت الإدارة الأمريكية النظر في تصميمها على مواصلة استخدام الفيتو على مشاريع قرارات مناهضة لإسرائيل في مجلس الأمن.

بانتظار السنوار

يعبر المجتمع الدولي عن تخوفه من اجتياح رفح بسبب ازدحام مليون ونصف مليون فلسطيني هناك. ولكن تقدم العملية يتباطأ أيضاً على خلفية عدم تخصيص قوات عسكرية لهذه العملية في هذه المرحلة. عملياً، تعمل في القطاع الآن قوة عسكرية هي الأصغر منذ بداية الحرب: ثلاثة ألوية ونصف فقط. وتم تقليص العملية في خان يونس بشكل كبير، ومعظم القوات التي قاتلت هناك خرجت للاستراحة خارج القطاع. في الوقت نفسه، يسيطر لواء “الناحل” على الممر الذي يقسم القطاع في وادي غزة، في الوقت الذي يقود فيه الطاقم القتالي للواء 401 الهجوم على مستشفى الشفاء. تجري هناك عملية كثيفة نسبياً، قتل فيها -حسب الجيش الإسرائيلي- أكثر من 100 مخرب، وتم اعتقال مئات المشبوهين، من بينهم نشطاء مركزيون في حماس. يبدو أن جزءاً من جهود إسرائيل يستثمر في المس بإحباط محاولات حماس إعادة سيطرتها في شمال القطاع، مع المس بالمشاركين في السيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية.

الوضع الإنساني، بالأساس في شمال القطاع، صعب جداً. الجمهور في إسرائيل لا يدرك ذلك؛ لأن معظم وسائل الإعلام في البلاد تخفي معاناة الفلسطينيين منذ بداية الحرب وتبث مشاهد متكررة عن المذبحة في بلدات الغلاف. من الواضح أن تجاهل حماس يضخم ويختلق القصص أيضاً، لكن الأزمة التي توصف بأنها حافة الجوع في بعض المناطق، أزمة حقيقية وتؤثر على ردود المجتمع الدولي وازدياد الطلب للإعلان الفوري عن إطلاق النار. إسرائيل والولايات المتحدة تريدان ربط ذلك بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المخطوفين، الذي سيشمل وقفاً لإطلاق النار مدته ستة أسابيع، وإطلاق سراح ألف سجين فلسطيني مقابل 40 مخطوفاً إسرائيلياً. التقارير الواردة من الدوحة كثيرة ومتناقضة، مع ذلك، بعض أعضاء البعثة الإسرائيلية للمفاوضات ما زالوا هناك، وبالفعل تجري محادثات عن قرب، أي يتم نقل رسائل باستمرار من الوسطاء لقيادة حماس الخارج، الموجودة بشكل دائم في الدوحة، وهو ما يدل على احتمالية معينة لحدوث تقدم في المفاوضات. لم يكن الأمر هكذا في الجولات السابقة سواء في باريس أو القاهرة، التي عادت منها البعثة بسرعة إلى إسرائيل، وعلى الأغلب بدون أي إنجازات حقيقية.

صاحب الكلمة الأخيرة في حماس، وربما بشكل عام، هو يحيى السنوار، رئيس حماس في القطاع. الاتصال معه متقطع بسبب اختفائه خوفاً من وصول الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” إليه. في الصفقة الأولى، في نهاية تشرين الثاني الماضي، تبين أن السنوار يفقد صبره في مرحلة معينة في الانشغال بالتفاصيل الصغيرة في المفاوضات، ويميل إلى الحسم دون إصغاء أكثر من اللازم لأصدقائه الذين يعيشون في قطر. وقد يحدث هذا أيضاً ثانية.

ثارت خلال الحرب بين حين وآخر آمال في أن اتفاق على إنهاء الحرب سيشمل نوعاً من موافقة السنوار وكبار القادة في الذراع العسكري على الخروج إلى المنفى خارج القطاع مع تعهد بعدم المس بهم. مصدر رفيع في الجيش الإسرائيلي الذي زار مؤخراً الوحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية، سأل الضباط القدامى ذوي الخبرة في جمع المعلومات عن السنوار (الذين لم يكلف الجيش نفسه وبجد عناء الاستماع إليهم قبل المذبحة في 7 تشرين الأول)، سألهم إذا كانت هناك أي احتمالية لمثل هذا التنازل، فرد رجال الاستخبارات بالنفي المطلق: السنوار، كما قدروا، سيفضل البقاء في القطاع حتى لو كلفه ذلك حياته.

 

عاموس هرئيل

هآرتس 21/3/2024








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي