معراج غزة

2023-11-23

جبار ياسين

أمس أرتقت جارتنا للسَّماء

للقاء أطفالِها

تبعتها ابنتي المكسورة الذِّراع

جارتي الأُخرى سبقتهم في الصُّعود

لا بُدَّ أنّها وصلت قبل حلول المساء

نهلة، بنت أخي، غادرتنا في أوّل يوم

لم نجد لها أثراً

فلم نتكفَّل بجثمانها لننقلها إلى مشرحة « الشِّفاء»

كأنَّها في العُلى تُعاين هذا الرُّكام

رُكام البيوت،

رُكام الشَّوارعِ،

رٌكام الدُّعاء،

رُكام الكلام،

رُكام الدُّخان،

رُكام أشلاء مَن ارتقى بعدها لعنانِ السَّماء

صامتةٌ تقول كما قال أبٌ مفجوع « معليش «

لكنَّ جارتنا العجوز التي شهدت نكبتينِ

ما زالت أمام بقايا بيتها تدندنُ أُغنيةً قديمة

تذكر حبَّها الأوَّل

قبل قرنٍ مضى بين أشجار بيارة البرتقال

تقول أُغنيتها: عيسى لم يعد في المساء

ارتقى سلَّماً من صخرٍ في المدينةِ القديمة

تحاصره خوذٌ من حديد

وسياطٌ دبغت من جلودِ غزلاننا حاملاً عدته:

كتاباً وخبزاً وزيتوناً.

قبل رعد السَّماء كان يمضي بعيداً ينادي:

يا أبي! يا حبيبة قلبي!

يا زيتونة الدَّار! يا كتاب الأغاني! سوف أعود.

في البعيدِ ماردٌ من دخّان

جارتي لا تراه

والنَّار قريبةٌ ربما أقربُ من حبل الوريد

لكنّها منشغلة بأغنيتها

وفي كلِّ دويّ تشمُّ عطر تاريخٍ بعيد

إنّها الكتب والأغاني وتراتيل الصَّلاة

وعطر السَّلام القديم،

كلّها تنفثُ، مثل تنين،

رائحة أيامنا وعطر نوار البرتقال.

هناك، في زاويةٍ بين الخرائب،

بين الحديد وشظايا خزف الصحون،

وأشلاء الكتب تجلس فاطمة برناوي

ومازن أبو غزالة

وغسان ودرويش

وراشد حسين وبسيسو

وجيفارا غزة وربحي

وحشد من نساء ورجال

وأسراب من ملائكة صغار

يكتبونَ سيرةَ أيامِنا القادمة.

سترتقي الأشجار نحو السَّماء

سيرتقي النَّخل والزَّيتون

ووردة الدفلي

وأعشاب التِّلال وحمرة تربانها

سترتقي ثمرة برتقال لتُعيدَ للأرضِ دورتها

وترفع صورة المذبحة للنجم في أقصى السَّماء.

جاؤوا ومرّوا ثمّ جاؤوا ومرّوا

في صباح لن يمرّوا

فلن يبقى منهم غير الغبار

وذكرى خوذ وأشلاء حديد مدرَّع

لا كتاب ولا أغنية

لن يتركوا غير أشلاء نبوءة

رحلت كلماتها ،مثلما رحلوا

فأزهرت وردة على أطراف صخرة

كأنَّ بتلاتها تروي قصص اللّيالي الألف وقصَّتها.

هل دخلت قصيدة فلسطين ديوان العرب؟

طفلة تقول: هذه الأرض لي ستكبر،

وذات يوم ستشمُّ عطر وردة

تفتَّحت في الصَّخر على شاطئ غزة.

شاعر عراقي








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي